قريباً من البوابةِ الرَئيسيةِ لقصر بسمان - مدخلِ شارعِ الإستَقلال - يَستقبلكَ الَحرسُ بأهلاً وسَهلاً، يرحبُ بكَ أفراد وضباط الحرس الملكي، سيدي تابع الدراجة النارية واشاراتها، تصل الى باب القصر الرئيسي - القصر مطرز وفق العمارة الإسلامية وهندستها- تشعر بفرح عندما ترى مرتبات الحرس يلبسُ “ شماغاً أردنياً، يحملُ بندقيتهُ بشموخٍ، فكرتُ للحظة الوقوف الى جانبهم، لأخذ صورة للذكرى، لكن الخُطى سبقت فكرتي، داخل القصر، ينتظرك العاملون ببذلاتهم الرسمية، تجلس في غرفة الإنتظار، فنجان من القهوة عربية يعيدُ لكَ الروح، سحرُ روائح البخور، تُحلق بكَ بعيداً، هنا، تتمنى أن تتحول الى عصفور.
ممرٌ طويلٌ، يأخذكَ الى مكتبِ رئيسِ الديوان الملكي، معالي يوسف العيسوي، يِستقبلكَ على بابِ “ بَيتنا العَامر “ يقفُ الى يساركِ بانتظاِر جلوسك، ثمةَ راحةً و هدوء بملامحِ الرجلِ، تختلفُ عَمَن سواه، تَشعُر بها إن تجلس لتستمعَ ما يقوله، لذا لا اخُفي سراً إن قلتْ: زيارةُ رئيسِ الديوانِ الملكي، اسَهلُ واسَلسُ وأكثرُ راحةً من زِيارةِ - غالبيةِ - مُدراءِ الدوائِر الأخُرى، في الحقيقية تشعر أن الرجل يُشبهنا، ومنا وفينا، وأن الديوان عادَ بَيتاً للأرُدنيين.
أنسنةُ الديوان
ما هي القيمةُ المضافةُ التي تَترتبُ على وجِود رَئيسٍ للديوانِ الَملكي بِهذه الصِفاتِ الشَخصيةِ، تَرى العمُل العامَ دَرباً لمِساعدةِ الناسِ ومُساندتهم، “ وأنَسنةُ عَمل الديوان “ قيمةٌ فُضلَى يَتوجبُ تَأكيدها، والإبتعاُد عن الحروبِ الهَامشيِة، واجبٌ مقدسٌ، سِيمَا بَعدما استلذت بعضُ الشخصياتِ والكتاب والإعلاميين وحَتى الحُكومات في اشعالِ حرائقٍ منفصلةٍ، هُنا وهُناك، لتصفيةِ الحساباتِ أو خلقٍ لظروفٍ مُواتيةٍ لإنتاجٍ مُبرراتٍ تَحولُ دونَ التخلصِ من أعَباء مَراحلٍ سابقةٍ، يَتوجبُ أن تُطويَ صَفحاتها، في سَبيلِ إنتاجِ مَراحلٍ جَديدةٍ تَرى أن التَشاركيةِ في الأقوالِ والأعمَالِ ثيمةً تَميزُ عَملَ الدِيوانِ الجَديدِ، كَمؤُسسةٍ جَمعيةٍ لا تؤُمن بِصراعِ الأذَُرع والسَلطاتِ فيما بَينها، بِقدر ما تُؤمنُ بالتَعاونِ مَعها، ومُساَندتِها وفقَ تَناغمٍ مُمنهجٍ، يَرى التَشارُكيةِ سَبيلاً للانَجازِ، والكَيديِة طَريقاً للهَدمِ.
السياسيُة الجديدةٌ هَذه تَرى القاعدُة الأسَاسَ في عمل الديوان بإعتبارهِ بَيتاً ومَحجاً لِلجميعَ الأرُدنيين، وُشركاءٌ في الحبَ والولاءِ للوطنِ.
كهنة الإعلام
الرضا و التَوافُق مع الَذات، صفةٌ مُدهشةٌ في الديِوان الملكيَ اليوم، هو ما يَمنُحه مَساحاتٍ للعمل، وفقَ أولوياتٍ وبرامجٍ لا تَجذبها أو تَشُدها خِلافاتِ الخَارجِ، تَسعى الى تَوريطِه من حيث تَدري أو لا تَدري.
لنأَخَذ مثلاً الأُزمة التي شَكلها الإعلامُ مؤخراً، والمُتعلقة بِإجازةِ الملكِ عبد الله الثاني، فَعلَ خَيراً القائمين على الديوان باِلنأيِ بِالنفسِ عن مَتاهاتِ تَحليلاتِ وتَنبؤاتِ الكَنهةِ، الإعلام ومُحللوه، والصَحافةِ وكُتابها، لم تُكلفُ نَفسها عناءِ السُؤال، خذ مَثلاً مقال صَحيفة الرأي، الذي تناول الموضوع بأسلوب أنشائي يعتمد طريقة محمد حسنين هيكل - رحمه الله - في السرد، وكَأنَ المُتلقي جاهلاً، والكاتبُ وَصياً شَرعياً عليه، يَتوجبُ مُراعاةُ جَهلهُ، بإعتبار الشعبِ الذي يسأل عن مَليكه حباً وخَوفاً عَليهِ، لمْ يبلغ سنَ الرُشدِ، ولا يَعي ما يَقوله، انِطلاقاً من نيةِ الكاتِب الحَسنةِ، مع أنَ الوَقائع تَقولُ: أنَ النيةَ الحَسنةُ لا تَصنُع فَارقاً، كما أن الكتابة السِياسيةُ لا تَرتكزُ عَلى النَوايا الحسنِة، بل عَلى الحَيثياتِ والمَعُلوماتٍ ومَصادرها، “ بعض “ المقالات، كَهنتها وسَدنتها سَقطت في نَوايها الحسنة، وبَدلاً مِن أن تَعملَ عَلى حِمايةِ “ مَملكةُ الحبُ “ شَيدت بُيوتاً حَولتها الى “ مهلكةٍ للكراهيةٍ “.
في الحقيقية، لو ركز البعض لوجد أن أسلوب الكتابة حول المواضيع من هذا النوع، وفق رؤية كاتب الرأي المخضرم، تَنفعُ تستقيمُ مَع زَمنِ الَملك الحُسينِ - رحَمه الله - وأدَواتها وُظروُفها، لَكنها، لا تَنفُع مَرحلةَ المَلك عَبد الله وشُروِطها، فَما نَفعَ لحينٍ لَيسَ بِالَضرورةِ أَن يَنفعَ لأحَيان.
وعلَيه، الدِيوان اليوَم يَختلفُ عَما سَبق، يُوجد نضجٌ في التَعاملِ لمْ يَكُ سَابقاً، كَما أنَ صِناعةَ الفارقُ، يُمكنُ أَن تَكونَ من الأَفكَارِ العَاديةِ جِداً، وَبِمنُتهى اَلُهدوءِ، نَعم عَادَ الدِيوانُ لِيكونَ بَيتاً لِلأردُنيينِ، وهُناك رجلٌ يديرهُ، بِهدوءٍ، يُشبهنا، هناكَ روحً جديدةً ودِماءً جَديدةً وأرُدنيون جُددْ، يعملون بصمتٍ من أجلِ وَطنهم.
kayasrh@gmail.com