هذا الالتصاق يشعرنا بالدفء الذي فقدناه
ماجدة ابوطير
21-05-2009 07:49 PM
كانت وما زالت تصرخ ككل الامهات تصرخ علي في ذهابي وايابي، فلم اخطو خطوة واحدة في طفولتي الا وكانت ملاصقة لي او بالاحرى انا من لاصقتها دوما، لم تسنح لي الفرصة آنذاك ان اعبر لها عن مشاعري حول هذه الملاصقة الدائمة فالامر بالنسبة لي كان من الامور الطبيعية وان لم تلاصقني ويزداد توغلها في تحركاتي لشككت في الامر.
هذه انا وهؤلاء آخرون يقولون كما اقول حول هذا التعلق الشديد بالام ان هذا التعلق والخوف الشديد واخافة الطفل من ان يمارس اهوائه كما يشاء لم تقف للاسف لمرحلة معينة، فنحن كمجتمع بكامل فئاته العمرية نظل نشتاق الى هذا التوحد والالتصاق الغير مبرر في بعض الاحيان فتارة ترانا نقترب من بعضنا البعض الى الحد الذي لا يستطيع به الفرد نفث سيجارته الا بوجه الاخر ليعبر له عن حبه الشديد له وليصبح الاثنان شبيهان حتى بالرائحة وتارة اخرى ترى الركاب في الحافلات يحتضنون الكرسي ويتسابقون في الجلوس جانبا دون ادنى مانع، كل هذه الظواهر تعبر عن حالة النقص التي نعيشها وحالة الذعر فمنذ الازل ونحن نخاف على الجماعة ونسعى دوما ان تكون تحركاتنا وتحقيق اهدافنا ان يكون تحت مظلة الجماعة وموافقتها ،فهاتان الظاهرتان متشابكات الى الحد الذي يصعب الفصل بينهم، فنحن وان كنا افراد فنحن دوما الى ننتمي الى الجماعة ونشتاق لها وخاصة الى الجماعة المتكاتفة فنحن نسير ونأكل وحتى نتكلم مع بعضنا البعض وفي ذات الوقت وهذا ما يسمى بالضمير الجماعي، فهذه التداخلات والازعاج يشعرنا بالدفء هذا من ناحية اولى اما الناحية الاخرى التابعة للضمير الجمعي وهو المسافة النفسية التي بيننا كافراد يتفاعلون سويا، فمن العبث بتسميتها بمسافة فهي لا تقاس باصابع اليدين.
هاتات الظاهرتان ملاصقات لبعضهن البعض والهدف منهم واحد وهو الشعور بالامان والسعي وراء الانضمام الى اكبر حلف كان ،فترى المارة في الطريق لا يقطعون الشارع الا من خلال اسراب فلا يهمهم ماذا سيحدث لهم بقدر همهم ان يقطعون باكبر عدد ممكن لمباغتة السائق ،فحتى طلاب المدارس والجامعات لا يمشون الا على هذه الطريقة فترى الطالبة تسير مع الاخرى وكأنها عكازتها فلا تذهب الى اي مكان الا وذهبت معها صديقتها فقد سمعت احدى الفتيات في ذات مرة انها قد تسحب الفصل الدراسي بكامله ان لم تنضم صديقتها الى نفس المواد التي سجلتها، وهنا تكمن الهزلية او التراجيدية فانا لا اعرف باي تصنيف قد تدرج مثل هذه القصص فهذه القصة بحد ذاتها مصيبة فحين يأجل الفرد مستقبله ويعلقه انتظارا بقدوم الاخر فكيف لنا ان نتطور؟
وبالرغم من اننا طبقنا كثير من المبادئ الرأسمالية في حياتنا الا اننا نمارس الاشتراكية دون وعيا بها، فنحن نحترم الجماعة ذات العدد الكبير ونخطط دائما بشكل جماعي ولا ننفذ الا وزنودنا متكاتفة سويا ان هذا التقارب الذي بيننا من حيث ملاصقة انفاسنا مع بعضها الاخر واقتراب اجسادنا وتقليل المسافة الى بعض الاحيان الى مسافة لا قيمة لها، لا يعبر عن مدى تعاوننا وحبنا للجماعة بل يعكس التنشة التي برمجت عقولنا عليها منذ الطفولة ، فالطفل يحذر ويتم اهانته اذا ابتعد عن امه، فالام في السوق تسير وابنائها ملازمين لها مثل الاوسمة الذهبية الملازمة للجندي اين ما ذهب.
بينما الافراد في بعض الدول الغربية هنالك مسافة بينهم وهم يتحدثون وحتى ان كانوا اصدقاء ، فاذكر بانني قرأت مرة خبرا عن دولة النمسا في انها من اكثر الدول التي يوجد فيها اهتمام للمسافة بين افرادها وكان هذا التغيير جاء نتيجة حادث حصل في بنك ما ووقع ضحيته كثير من الضحايا نتيجة التصاقهم ببعضهم البعض ،وبعد هذا الحادث اصبح الناس يخافون من تقليل المسافة وخاصة في الاماكن التي يقف بها الناس على شكل صفوف فتراهم حتى في اصتفافهم يوجد بينهم مسافة وحتى ان كانوا مضطرين لهذا الاصطفاف .
فهذا الاختصار للمسافة بيننا يقتل الخصوصية ويشعر الانسان بانه مراقب في جميع تنهداته ، فاثبتت الدراسات ان السبب الرئيسي للحوادث في الاردن هو التتابع القريب فنحن نشعر بالسعادة والاطمئنان من الدرجة الاولى عندما نقترب من بعضنا البعض فنحن نهتم دوما بان نقترب من بعضنا البعض وان نشكل اكبر عدد ممكن حتى وان كان هناك ضحايا فيكون عددهم بالجملة .
بالرغم من سيطرة الضمير الجمعي علينا وتقليلنا للمسافة النفسية، الا ان هذه السيطرة خاضعة لمصالحنا ورغباتنا فالابن يلتصق بامه حتى تحقق له ما يريد ويصبح قادر على اخذ ما يريد، وبعد ان يصبح هذا الطفل قادر على اكتساب اهوائه لا تجده حتى يقبل يد امه او يحنو عليها فالمسافة بينهم تقاس باكبر اداة قياس وجدها العلم، وهنا ترى اننا نخضع لاسلوب التقرب والطاعة فقط في بداية حياتنا فقليل منا من يظل يشعر والدته بنفس الحب والرغبة في احتضانها كما كان في ماضيه