كان نورُ الفجر المشبعِ بالضّباب يتسلّلُ مع برودة رقيقة. هدوء صارخٌ عّم المكان؛ الكلُّ نيام حتى العصافير والغربان وطيرُ الدّوري الزقزاق الذي اعتدت سماع تغريده في سِلسلةٍ من الزَّقزقات القصيرة يُطلقها أحيانًا مُتداخلةً في نظمٍ سريع.
الجو ممل للغاية، مشهد السماء المطرزة بالغيوم يقبض الروح. أشعر بحاجة ماسة إلى الشمس..ثقل، عاجزة أنا عن تحديده. آب يغرقني في الإكتئاب أكثر من سواه، لا أظنه اضطرابا في الهرمونات كما قد يعتقد البعض. قد تكون نوبة ذعر من القادم المجهول.
أتقمص ابتسامتي، وابتلع رغبة في البكاء كما ابتلع الطعام على موائد الأصدقاء والأقارب. لا نكهة لطعام هنا بالمناسبة، سوى طعام أمي.
صنعت فنجانا من القهوة، تنقلت بين صفحات المواقع الإخبارية. هنا؛ عوني مطيع والرزاز يشغلان الحيّز الأكبر، وهناك؛ المعارضة تشكل أكبر كيان عسكري معارض لنظام الأسد، أول رحلة تجريبية لقطار الرياض، الكيان الصهيوني يوجه تحذيرا لطهران من مغبة إغلاق مضيق باب المندب المؤدي الى البحر الأحمر. ضحايا تفجيرات، مخيمات اللاجئين، تقارير حولت الأسرى في سجون الطغاة إلى أرقام، محمد صلاح يحقق حلم طفل سوري أثناء وجوده في الولايات المتحدة الأمريكية. أسماء لأشخاص وبلاد وأمراض أعرفها وأخرى لم أسمع بها قط. ما علاقتي أنا بهذا العالم الذي يعج بكل هذه القذارة وهذا الكم الهائل من التفاهة؟ نشأ الكون منذ سنوات لا حصر لها، كان ولا زال غارقا في الظلام وقد يواصل بقائه كذلك إلى ما بعد وفاتي. أتفقد ليث وتاليا وهما نائمان، ما الذي سيحل بهما في المستقبل؟ لمَ يسمح الله بكل هذا الظلام؟
نظرت إلى رسائل الواتساب، لدي واجبات اجتماعية كثيرة، لم أنجزها بعد، وأمور بحاجة للتفكير. الوقت يمضي بسرعة، وعلي تحديد أولوياتي. وماذا عن الأمور التي تفوهت بها في سورات غضبي المتتالية خلال الأيام القليلة الماضية، ألا يجدر بي أن أخصص وقتا للتفكير بها؟ توترت للحظة، من أين سأبدأ ومتى سأنتهي؟ حملت لي الريح صوتاً من بعيد. وكقميص يوسف، أرخى -الصوت- آيته على روحي: “لا تفكري، فالتفكير في جواهر الأمور هو الخطأ بعينه!" عند ذاك، أدركت أن لا شيء من ضمن الواجبات تلك مهم فعلا! ولا شيء يستحق عناء التفكير.. ركبت سيارتي، لا أعرف إلى أين أتجه بالضبط، كل ما أعرفه أننا سنغني أنا وعمّان -مهبط الجمال المغسول بالشهد- "إنت خلتني أعيش الحب وياك ألف حب"، وسنطيح بالظلام والوقار المزيف بضربة واحدة!