ماذا حدث بعد سقوط تمثال صدام ؟
سيف الله حسين الرواشدة
01-08-2018 03:02 PM
في تحقيق نشرته النيويورك تايمز بعنوان الأراضي المهشمة( fractured lands) من خمس حلقات تروي قصة الظلم والقهر والنكبات وأخيرًا القتل والدمار وكل ما ابتلينى به و أوطاننا بلسان ستة من أهلنا، كانت أشبه بمرافعة يلقيها المقتول على القاتل.
استحضرني أمران أولهما أن الماوردي لما عدد مكونات الدولة ( الوطن) الرئيسة أضاف اليها الأمل الفسيح، وكيف لا يكون الأمل بغد أفضل جزءا أساسًا مثل الأقليم وسكانه ونظام حكمه، ونحن في بلادنا قتلنا الأمل قبل أن يموت الإنسان بزمن. وثانيهما ذكاء كاتب التحقيق فهو لم يأت بجديد علينا فكلنا نعرف مصائبنا غير أنه قدم لنا الصورة كاملة وممتدة على أكثر من سبعين سنة، وأنه لما اقتصر رواية الأحداث مقدماتها ونتائجها وتصورات الشعوب على لسان حال ستة أفراد من العراق ومصر وليبيا وسوريا، جعل ما حدث شخصيا جدًا كأنه يقول لنا أن موت إنسان بالقتل أو الظلم تراجيديا أما موت ألف أو يزيد فهو مجرد خبر عاجل يختصر في رقم وسم بصفة العاجل من الأخبار.
في السنوات السبعين الماضية، اغتيل الأمل في إنساننا وبعدها قتل العربي بكل الطرق من الذبح الى الغرق مرورا بكل أطياف ألوان التعذيب في السجون، هذا الانسان العربي هو من يحتاج إعادة البناء، أن تعود له القدرة على الحلم والأمل أن يخرج من أزمات الهويات الفرعية والتاريخية في كل طرح إلى المطالبة بحقه في غد أفضل، فمن بين كل الأحداث التي رواها الشهود الستة من أهلنا في تقرير نيويورك تايمز ، جملة واحدة ستبقى في ذاكرتي قالها أب لبنه في إحدى المرافعات وهو يحاكم قال له : كنت يا أود أن أورثك غدًا أفضل ومستقبل مشرق، لكنني ورثتك رقم سجين وزنزانة سكنتها يا ولدي دهرًا . وكم من أب ورث ولده في بلادنا ظلما أكل عليه وشرب .
أعتقد انه لنفهم ما يجري لابد لنا من الوقوف أمام ثلاث مشاهد صنعت حاضرنا اليوم واتمنى أن لا تساهم في سبك مستقبلنا، أولها في آواخر الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي، لما تشكلت أغلب الأنظمة التي تحكم منطقتنا اليوم، معظم هذه الأنظمة بنت شرعيتها على مقاومة الاستعمار والإمبريالية والعدو الصهيوني وقيم العروبة والوحدة، وحتى معارضتها التقليدية من الإسلاميين بنت شرعية معارضتها على إعادة الدولة الجامعة (الخلافة) والعودة إلى طهر الإسلام وكلاهما أصر أن لا صوت يعلو على صوت المعركة ولا وسيلة يجب توفيرها في سبيل الهدف الكبير، ولم يطل علينا أحد منهم في الغالب ليقول لنا أن شرعيته هي خدمة ورفاه الأهل وتقدم البلاد، والأدهى من ذلك أن الدول التي وصفت بالممانعة والمقاومة يومًا بنية الدولة فيها بوليسية أمنية تتناسب مع أجواء المعركة الوهمية التي تعيشها فاختصرت الدولة بشخص الرئيس وغاية وجودها بوجود أرض المعركة ومقاومة المؤامرات التي يحيكها كل الكون ضدنا، فانتقاد الدولة هناك يوازي فعل الخيانة، ورسمت في أذهاننا صورة الأخ الأكبر والزعيم العظيم الذي لا يمس ولا يخطئ وقد لا يموت .
المشهد الثاني ابتدى لما وقعت الدول العربية معاهدات السلام ودارت في الفلك الامريكي والتطبيع من تحت الطاولة ومن فوقها، وانتهى عصر استقطاب الحرب الباردة، هنا فقدت معظم هذه الدول الورقة التي كانت تبرر بها كل أفعالها وحتى شرعية وجودها وسلطتها، بعضها أتاه البديل بورقة الأقليات والطائفية والقومية وإحياء كل النعرات، وبعضها الآخر بتخويف الناس من الإرهاب والتكفيريين وقدامى مجاهدي أفغانستان، ومخطط الإسلاميين في السطو على السلطة ومن هنا تبلورت مظلوميات ستمتد لهذه الفئات من الناس.
أما المشهد الأخير فهو سقوط صدام حسين، كانت هذه لحظة فارقة للجيمع شعوبا ودولا، فالشعوب رأت أن القائد الصلب بكل تماثيله وجدارياته وخطبه، ليس إلا وهما سقط مع تمثاله في ساحة الفردوس، أما الدول فقد عاشت حالة اضطراب لنظام توازن القوى في المنطقة بشكل مقلق، وخرج لها ألف عفريت من قمم العراق من الطائفية انتهاء باللاجئين مرورًا بالقاعدة وانتقال المظلومية التاريخية من حضن الشيعة إلى السنة.
هذه الصور الثلاث إضافة الى تراجع الدول العربية مثل سوريا عن بعض الإصلاحات العاجلة بعد سقوط بغداد لما تفاقم الوضع في العراق، وتحولت الورود التي ألقيت على الأمريكيين في الكوت إلى وابل من الرصاص في الفلوجة، وامتدت يد إيران عبر البوابة الشرقية لتصل إلى غزة، فعدنا إلى شرعية محاربة الارهاب والوقوف في وجه الفوضى التي ستبيح إسكات جميع الأفواه وإفراغ الجيوب والبطون فلا صوت يعلو على صوت إي معركة في الشرق الأوسط.
ما سبق هو ما رسم شكل الربيع العربي واختلاف نتائجه من تونس إلى سوريا ليس إلا لختلاف "قتم" الصور السابقة من بلد إلى آخر.
قد يجوز لنا أن نقول أن إنفجار الأمل في منطقتنا امتد من ساحة الفردوس إلى حرق بوعزيزي نفسه وبعدها تحول الأمل إلى خط من الدم أحاط بنا جميعًا، وأن الربيع العربي هو نتيجة أكيدة لمقدمات حصلت وتحصل من سبعين سنة، ويبقى السؤال الأخير الآن ماذا بعد ؟ ومن منا يملك البصيرة اللازمة ليحول مقدمات اليوم إلى نتائج الغد حتى نعلم من أمرنا رشدًا.