إحتــــــلال الوعــــــــي
المحامي د. أحمد محمد العثمان
01-08-2018 10:58 AM
إنصرف مفهوم الإحتلال في السابق الى سيطرة دولة على دولة أخرى عسكرياً أو إقتصادياً ، إلا أن مفهوم الإحتلال تغير مع تغير الأزمان فأخذ الإحتلال أشكالاً أخرى منها السيطرة الثقافية والسيطرة التكنولوجية ، إلا أن أخطر أنواع الإحتلال هو إحتلال وعي الشعوب ، بمعنى أن تسيطر دولة على وعي شعب أخر ، أو أن تسيطر فئة على وعي فئة أخرى ، إذ أنه من خلال السيطرة على الوعي يصبح المسيطر عليه متغيراً تابعاً للمسيطر ، حيث ينقاد المسيطر عليه إنقياداً أعمى لرغبة وطلبات المسيطر ، وتتم السيطرة على الوعي من خلال وسائل وأساليب متنوعة ، فقد تكون السيطرة على الوعي من خلال السيطرة النفسية وقد تكون من خلال المعتقدات الدينية وقد تكون من خلال تحويل الوهم الى حقيقة ومن ثم الإنشغال بمقاومة الوهم المذكور .
ومن أجل توضيح ذلك فإنه عندما أراد نابليون بونابرت إحتلال مصر وجد أن المصريين مقيديين بطبعهم فأقام في مصر وحرص على أن يصلي الصلوات جماعة في المسجد حتى أطلق عليه المصريون لقب الحاج علي بونابرت وعندما حضر جيشه لإحتلال مصر لم يجد مقاومة بإعتبار هذا الجيش هو جيش الحاج علي بونابرت وهو جيش تحرير وليس جيش إحتلال .
وإنسجاماً مع ما تقدم فقد قامت أجهزة الحكم في كثير من الدول العربية بإحتلال وعي شعوبها من خلال جعل تلك الشعوب تؤمن وتعتقد أنه لولا الحاكم المذكور فإن الشعب لا يستطيع أن يأكل أو يشرب أو يتنفس الهواء ، أي أن الحاكم سيطر على وعي الشعب فتحول الحاكم من خلال إحتلاله وعي الشعب الى معبود والشعب الى عبيد ، فإحتلال الوعي هو إحتلال موجه يراد منه ويقصد به تحويل الشعوب والأفراد الى متغير تابع ، اي أن المتبوع إذا أراد شيئاً فما على المتبوع إلا أن يفعل شيئاً معيناً ليتبعه فـــي ذلك تابعه ، بإعتباره متغيراً تابعاً .
لذا فإن إحتلال الوعي هو أخطر أنواع الإحتلال على الإطلاق ، لأن إحتلال الوعي يؤدي الى نتيجتين هما :
1- يصبح من تم إحتلال وعيه تابعاً لمن إحتله .
2- يصبح من تم إحتلال وعيه تابعاً للمحتل فاقداً لإرادته في مواجهته ويتقبل من تم إحتلال وعيه سلوك المحتل قبولاً طوعياً فينعدم بذلك عنصر المقاومة للإحتلال بأشكاله اللاحقة .
وبالبناء على ما تقدم فإن المشكلة الكؤود التي تواجه الإسرائليين والأمريكيين والإنجليز أنهم لم يتمكنوا من إحتلال وعي الشعب الفلسطيني بقضية فلسطين إذ بقيت فلسطين بالنسبة للفلسطينيين وطناً وفكراً وعقيدة ومبدأ ، فهي حاضرة فيهم من ولد منهم فيها ومن لم يولد فيها ، لذا فإن الذين يتخوفون من قبول الفلسطينين وطناً بديلاً عن فلسطين في اي بقعة جغرافية إنما يعيشون حالة من الوهم إنقلب الى ترهيب ويدلل على أن وعيه قد تم إحتلاله من خلال فكرة الوطن البديل ، فجاء الأوان لإسترداد الوعي من محتليه .