اليونان تسعى لاستعادة عمالتها المهاجرة
د. عادل يعقوب الشمايله
01-08-2018 09:06 AM
تعرضتِ اليونانُ كغيرها من دول العالم للازمةِ المالية العالمية التي انفجرت عام 2008. مُعظم الدول الاوربية تعافت تدريجيا من الازمة، بينما تأخرت اليونانُ عن الركبِ وكان السببُ تورطها بمبالغ طائلة من الديون التي أنفق جزءٌ كبيرٌ منها بسفهٍ أو فساد. لم تتعاطف الدول الاوروبية الدائنةُ مع اليونان رغمَ عُمقِ العلاقات بين الطرفين. فاليونانُ بلاد الاغريق هي أُم الحضارة الغربية كما يعترفِ الغربُ نفسهُ، بلْ ويتفاخر، وهي أحدُ أعضاء حلف شمال الاطلسي ومنطقة اليورو، إضافة الى الجوار الجغرافي والمرجعية الدينية المسيحية المشتركة. رغم كُلِ ذلك تمَ عصرُ اليونان عصراً لتسدد ما عليها من الالتزامات. بلْ وَصلَ الأمرُ برئيسة الوزراء الالمانية ميركل أن تطلب من الحكومة اليونانية بيع بعض جزرها لتسديد الديون اذا كانت لا تستطيع بالوسائل المعهودة عند الادارات الناحجة والعقلانية والوطنية المخلصة. نعم، لقد تم تقديمُ حُزمٍ من المعونات وإعادة جدولة للديون لتمكين الحكومة من إعادة تنظيم ماليتها لتكون قادرة على سداد الالتزامات السابقة واللاحقة. ورغم الاحتجاجات الشديدة ومهرجانات الغضب التي لجأ اليها اليونانيون بسبب زيادةِ الضرائب وارتفاع الاسعار والبطالة والفقر، فقد ظل الموقف الاوروبي صارما ولم يرتعش جنانه. لذلك اضطرت الحكومةُ اليونانيةُ المحاسبةُ محليا ودوليا، التي أُنتخبت بعد الاطاحة بحكومة الفساد، الى وضع استراتيجية عملية واضحة المعالم والتزمت بتنفيذها تحت أعين المعارضة والدائنين واليونانين المتربصين. قبل ايام اعلنت الحكومة أن الاقتصاد اليوناني قد تعافى وحقق نموا.
كما اعلنت الحكومة اليونانية انها سَتعملُ على استعادة ال 400000 من اصحاب الادمغة والكفاءات اليونانيين الذين اضطروا للهجرة الى الدول الاوروبية بسبب الازمة الاقتصادية للمساهمة في بناء بلدهم وتطويره. علماً أنهم مصدرٌ مُهمٌ للعُملة الصعبة التي تحتاجها اليونان.
في المقابلِ، يَتِمُ تَهجيرُ الكفاءات والعقول الاردنية مُنذ الستيناتِ من القرن الماضي لدول الخليج وامريكا ودول الغرب ليُسهموا في بنائها، ونكتفي بعديمي أو قليلي الكفاءات الذين لا يستطيعون بناء بلد متقدم حضاري، بل عن قصد او بدون قصد قد يؤدي إستخدامهم الى تخريب ما بُني وتَسفيهِ أحلام الاردنيين. مئاتُ الالوف من اصحاب المهارات تحول سنويا ما يزيد على اربعة ملايارات دينار اردني فتحرك الاقتصاد الاردني المريض والمأسور عن قصد وتخلق فرص عمل لمن لا يستطيع الهجرة ولمن لا يزال ينتظر، وبالتالي فانها مشكورة تطعم ملايين الاردنيين دون ان تطالب بأن نخاطبهم بالقاب اصحاب الدولة واصحاب المعالي، وبدون موائد وامتيازات ولا تقاعد.
ينصُ الدستورُ الاردني على أن على الدولة الاردنية "وليس على دول الخليج"، أن توفر فرص عمل للاردنيين. والمقصودُ بتوفير فرص عمل ليس توظيفهم باجهزة الدولة كما تفعل حكوماتنا العاجزة تكافيا للشر وارضاءا لعديمي الحيلة، بل أن تعمل على تنمية الاقتصاد ليكون قادرا على خلق فرص عمل سنوية بما يكفي لاستيعاب كافة الباحثين عن عمل.
تتناقل وسائل الاعلام، أن مئات الالاف من الاردنيين يتنافسون على ال عشرة الاف وظيفة التي منحتها قطر للاردنيين. هذا مخجل والله. أي وطن هذا الذي يضيق بابناءه فيضطرهم للغربة والعمل في ظروف بيئية قاسية وتحت سوط التهديد بالترحيل في أي لحظه بسبب الغطرسة او السعدنة او القطرنة او الذبينه او الكوتنه؟. لم تعد الدول الخليجية ترى في العمالة الاردنية أنها بيت خبرة كما كانت في سنوات القرن الماضي لان التعليم في الاردن قد تراجع بكافة مستوياته بصورة ممنهجة ومدروسة، ولان الخليج أصبح منفتحا ومتصلا وملتحما مع بيوت الخبرة الامريكية والاوروبية في المنبع. مع الذين يخترعون ويطورون التكنلوجيا ( know how) . أصبح مُعظم العمالة الاردنية مُجردَ مُنفذين أقرب الى العمالة غير الماهرة، ولذلكَ يَسمعُ الاردنيون عبارات التعالي مِن الخليجيين ويصمتون بعد أن يحنوا رؤوسهم. الخليجيون يبحثون دائما عن الافضل لانهم يريدون الوصول الى افضل المستويات بما يتجاوز حتى الموجود في الدول الاوروبية.
السؤال الذي ينتظر عدم الاجابة بسبب عدم القدرة على الاجابة: لماذا لم تفلح مليارات الدولارات من المعونات والمنح من الدول العربية والاوروبية وامريكا وكندا وكوريا واليابان والصينين والتي تزيد عن المعلن في الموازنة العامة، ومليارات الدنانير من التحصيلات الحكومية المتصاعدة، ما هو مدرج في قانون الموازنة وما هو مخفي، من وقف التزايد المستمر في حجم الدين العام الداخلي والخارجي وتزايد نسب البطالة والفقر وهجرة الاردنيين خارج وطنهم بحثا عن فرص العمل للانفاق على أسرهم؟ ولماذا نَتسولُ فرص العمل الى جانب تسول المال؟ السؤال الثاني والحالة هذه: هل تنطبق علينا مواصفات الدولة؟