بشبه اجماع من علماء اللغة لم تكن العربية لغة كتابةٍ لعهد طويل . ولم يُذكر أنه كُتب بها قبل نزول القرآن غير المعلقات من القصائد . اذ استمرت حتى وقت متأخر لغة روايٍة اي لغةً سماعيةً فقط . فكانت حوافظ ومدونات موروث جزيرة العرب خلال ذلك صدور اهلها ورؤوسهم .
تحول العربية الى لغة مكتوبة أملته الحاجة لحفظ القرآن الذي نزل بلغة العرب. قبل ذلك تولت السريانية والآرامية كتابة موروث لغات الامم المجاورة من اقوام بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين بالإضافة الى موروث القبائل العربية التي كانت تعيش على الاطراف الشمالية للجزيره . وابرز ما دُوّن باللغتين المذكورتين التوارة والانجيل .
كانت السريانية والارامية مرشحتين لتدوين موروث قبائل الجزيرة لولا ان ضرورات تدوين القرآن وحفظه بثت الروح في حروف العربية بعد ان كانت رسوماً أولية بدائية غير مكتملة الوضوح وليس فيها نقاط ولا حروف للتشكيل . فاستتبع بدء الكتابة بها تنقيطها وتشكيلها ، وتلا ذلك ما تأسس لها من نحو وصرف حتى وصلت الى ما وصلت اليه في ايامنا هذه.
يحق لذلك القول ان القرآن هو من أحيا العروبة باحيائه للغة العربية بعد ان حوّلها من لغة مسموعة الى لغة مكتوبه . فاللغة هي حاضنة الفكر وصنوه ويمثلان معاً وجهين لمكوّن واحد . وهي من ناحية اخرى مولود قومي فعادةً ما تقترن اللغة بالقوميه ويدل كل منهما على الآخر .
صار اقتران العروبة والاسلام قدراً مشتركاً لهما. وبالاضافة لبدايته المبكره اكتسب الاقتران بينهما تفاعلاً تداخلياً وتبادلياً جعل الفصل بينهما غير ممكن . وسمينا الدولة ما بعد الخلافة الراشدة بالعربية الاسلامية لقرون طويله تقدمت فيها صفة العروبه على الصفة الاسلاميه . حيث إختلط فيها موروث التقاليد العربية بالمبادىء الاسلامية ولم يكن تأثير العروبة في المجتمع والدولة باقل من تأثير الاسلام فيهما .
دولة بني امية كانت السيادة فيها للعرب .وكذلك الدولة العباسية لم تفسح لغير العرب موقعاً في ادارتها وقيادتها حتى للفرس الذين ادوا دوراً حاسماً في قيامها. ما اثار الشعوبية بين العرب وغير العرب بعد ان استمر حال غير العرب في ظلها كموالي للعرب وليسوا أنداداً لهم بالمواطنه.
غلب طابع العروبة في الدولة العربية الاسلامية على مدى ستة قرون ظلت خلالها دولة تفصل بين الدين والسياسه . فالقيادة قرشيه من بني امية أو بني هاشم حتى نهاية الخلافة العباسيه . والخلافة وراثية ، والصراع عليها قائم دون انقطاع بين الاخوة والابناء . وغير العرب على حالهم بمواطنة ناقصة كموالي للعرب .
لم يختلف العرب المسلمون على تقاليد العروبة التي استعادوها كاملة ومبكراً في 61ه مع قيام الدولة الامويه . في حين اختلفوا اجتهاداً في امور الدين . اختلفوا في تفسير النص ، واختلفوا بين العقل والنقل ، واختلفوا على طاعة ولي الامر، ورغم انهم اتفقوا على الشورى في ادارة الدولة الا انهم لم يتفقوا على رأي بشأن اهل الحل والعقد بعد ان كبرت البلاد وكثرت العباد .