كانت في سن الـ 16، ابنة لعائلة فلاحين من قرية نائية، الاحتلال الأجنبي أثارها، خرجت للنضال ضده. أعمالها أدهشت أبناء شعبها المقموع، الذي ارتفعت روحه من أسفل اليأس إلى الأمل الجديد. تم اعتقالها من قبل المحتلين الذين حاكموها. الأوصاف يمكن أن تنطبق على الصبية عهد التميمي، لكن المقصود هنا جان دارك، المعروفة بوصف "العذراء من أورليان".
الوصف الجميل ليس لي، بل لقلم صهيوني يحاول أن يكون "منصفا" وهو للناشط والصحفي المعروف يوري أفنيري، يقول أن هذا حدث قبل 600 سنة. جرت بين البريطانيين والفرنسيين في حينه حرب المئة عام. كان الغزاة البريطانيون متفوقين. الفرنسيون كانوا يعتقدون أنه لا يوجد أمل للانتصار – عندما حدث أمر عجيب. في قرية نائية في شمال فرنسا قامت فتاة لعائلة فلاحين عمرها 16 سنة، وهي أمية، وأعلنت بأنها تلقت رسالة من السماء. لقد ألقى عليها الله مهمة إنقاذ فرنسا. بطريقة ما نجحت في الوصول إلى بلاط الملك (الذي لم يتوج بعد)، وبطريقة ما أقنعته بإرسالها إلى جيشه الذي كان يقاتل على مدينة اورليان. كانت تلبس الدرع وتحمل علما، وضعت نفسها على رأس المقاتلين المهزومين، وحمستهم الى درجة أنهم نجحوا في المعركة الحاسمة على المدينة. وهكذا غيرت مصير المعركة وتسببت بانعطافة حاسمة. لقد بدأ الفرنسيون في الانتصار، و"العذراء من اورليان" وقفت الى جانب الملك عندما توج. لكن الحظ لم يحالفها. ففي زمن المعارك أسرت من قبل البريطانيين وحكموا عليها وقاموا بوضعها على المحك. أفنيري يقول أنه اذا كان البريطانيون اعتقدوا بأنهم تخلصوا من الفتاة المزعجة فقد اخطأوا خطأ تاريخيا، جان دارك أعلن عنها في الكنيسة الكاثوليكية كقديسة، لقد تحولت الى الرمز الوطني لفرنسا، والنموذج الذي قدمته ألهب أجيالا من المقاتلين، وتحت رايتها تحولت فرنسا إلى دولة عظمى عالمية. كبار الكتاب والفنانين كتبوا عنها أعمالا عظيمة. والآن تعرف قضية "العذراء من أورليان" كواحدة من الأعمال الخرقاء الكبرى في تاريخ بريطانيا، على حد تعبير القلم الصهيوني اليساري!
ومن جان دارك ينعطف إلى عهد التميمي إبنة الـ 16 من قرية النبي صالح. كل العالم يعرف الآن اسمها. كل العالم شاهد صورتها. وهذه فقط البداية. التميمي تحولت أمام ناظرينا (أبناء "دولة" الاحتلال) الى جان دارك الشعب الفلسطيني. الانترنت ينشر في أرجاء العالم صورتها البطولية، التي تحمل فيها علما فلسطينيا يرفرف، جنود الجيش الاسرائيلي، الرائد والشاويش، تموضعا في ساحة بيتها. توجهت إليهما برفقة أمها وأختها وقاموا بشتمهما. هما لم يتحركا، قامت بضرب الضابط، وهو لم يتحرك. عندما صفعته على وجهه. وهو بدوره قام بحماية وجهه لكنه لم يتحرك. هذا الضابط هو الشخص العاقل الوحيد في كل القضية. هو وزميله الشاويش تراجعا، احتلال "عاقل!" كان سيتعامل مع كل القضية بسخرية. وهكذا كان يمكن أن تنتهي القضية. ولكن نظام الاحتلال غير مستعد لترك الأمور بهذه الصورة، كما أن أبناء العائلة وثقوا الحادثة. الاحتلال لا يعرف السخرية. تم أخذ عهد من الفراش ليلا، وأمها وأختها أيضا. لقد تم عرضهن على قاض عسكري، قام بتمديد اعتقالهن. تم اعتقالها في ظروف مهينة، نقلت من سجن الى آخر، ولم يسمح لها باستبدال ملابسها، في قاعة المحكمة وضع ثلاثة جنود أمام مقعد الأب كي لا يستطيع رؤية إبنته!
سلوك الجيش واضح. اراد معاقبة الفتاة "حتى تكون عبرة لغيرها". فتاة ضربت ضابطا في الجيش "الإسرائيلي" يجب أن تعاقب من اجل أن يأخذ عشرات آلاف الشباب والفتيات العبرة منها. الجيش الصهيوني لا يمكنه إحراق الفتيات، مثلما تم إحراق جان دارك الأصلية، يمكنه فقط أن يسجن.
هذا العمل غبي بصورة مطلقة. باعترافهم، آلاف وعشرات الآلاف من الشباب والفتيات الفلسطينيين يرون الصور وقلوبهم تمتليء بالفخر. "هذه واحدة منا تجرأت على الوقوف ضد الاحتلال، أنا أريد أن أكون مثلها"!
عهد لن تحرر فلسطين، وهي ليست وحيدة في ساحة المعركة، بل ثمة خنساوات وأخوات رجال، صبايا وشابات وجدات، كلهن "أيقونات" يضئن عتم الطريق، ولكن لعهد بعض الحظ، فهي مناضلة منذ نعومة أظافرها، ولها سجل حافل في مواجهة الجنود، وفوق هذا هي شقراء مثل كثيرات من أبناء قريتها، زرقاء العينين وشجاعة، التنكيل بها في السجن فقط يزيد التأثير على أبناء جيلها الموجودين تحت الاحتلال. ولهذا حظيت بتغطية إعلامية خاصة، خارج الأسر، وأثناءه، ويوم تحررت منه، بل إن أمها التي كانت أسيرة، وتحررت معها، لم تحظ بما حظيت به عهد، الألسنة انطلقت لـ "تمرمط" جان دارك فلسطين، وتتهم من طرف خفي، على خلفية عقلية المؤامرة، أن هناك أيد خفية تصنع من عهد أسطورة، وتترك الأسيرات "المحجبات!" فقط لأنها حاسرة الرأس، وشقراء، وبيضاء البشرة!
لا أجد هنا ما أقوله إلا أن أعيد ما كتبه صديق الفيسبوك المتدين أسامة يوسف حين قال: "الإسلامي" الذي يعبر عن امتعاضه من رمزية عهد التميمي بسبب شعرها المتناثر، أو انتمائها الأيديولوجي، لا يختلف عندي في قصور رؤيته وانحراف بوصلته عن الليبرالي أو اليساري أو أي كان.. ممن يمتعضون من رمزية الشيخ رائد صلاح بسبب لحيته!! يا أخي إذا كانت التشاركية، والتعايش واحترام الحريات، شعارات ترويجية تستخدمها فقط لحشد الجماهير حولك عند الحاجة، فانشغل على الأقل بالترويج لرموزك الإسلامية الكثيرة جدا، بدلا من أن تمارس الاغتيال الشخصي ضد الآخرين.. علّهم يصدقونك عندما ترفع تلك الشعارات غدا!
يقول أفنيري: الاحتلال يتسبب بالغباء. في النهاية الغباء سيتسبب لنا بالانهيار. ونقول: الغباء أوصلنا إلى ما نحن فيه، فمتى ننتهي من عملية "مرمطة" وتشويه كل شيء جميل في حياتنا..؟ من من الشعوب الحية يبعث الله له رمزا نضاليا كعهد ثم يفرط فيه ويحاول قتله؟؟