كانت التبريرات التي سيقت لبلورة الكتلتين الرئيستين في مجلس النواب قبل اشهر تنطلق من فكرة مفادها أن الحكومة بحاجة إلى أغلبية ثابتة كي يتسنى لها العمل دون ضغوط نيابية، ووقتها اجتهد رعاة هذه الفكرة سواء من كانوا تحت القبة أو من هم خارجها في التنظير ل"ضرورة" الأغلبية الثابتة كشبكة أمان، وجرى تهيش قوى برلمانية رئيسة بحجة أن وجود "أغلبية ثابتة" من شأنه توفير مناح ملائم للسلطة التنفيذية لتقوم بواجبها دون "إعاقة" قد يصنعها المخضرمون، لكن ما الذي "عدا مما بدا" حتى تصبح "أغلبية" الأمس مرشحة لتكون معارضة "جريئة" بين ليلة وضحاها؟
لن ادخل في المبررات التي أظن أنها واهية لهذه الانقلابية التي تفتقر للمبررات السياسية الجدية، ولن اذكر تلك الدعوات التي أطلقتها الصحافة قبل عام محذرة من خطورة الركون إلى الأغلبية الثابتة لأنها لم تبنى على أسس سياسية وإنما على أسس مصلحة صرفة، بل أريد أن انطلق من هذا المشهد النيابي غير الكريم لأقول أن صناعة الأغلبية النيابية بعد أجراء الانتخابات عملية ليست جزء من التقاليد الديمقراطية بل ربما تصنف على النقيض من القيم الديمقراطية كما أنها تشجع الروح التي تفتقر للمبدأية.
كلنا يعرف كيف تمت "صياغة" الكتل البرلمانية وكلنا يذكر ويتذكر ويحتفظ بتصريحات لرموز الكتلتين خلال بدء ماراثون الثقة بالحكومة الحالية وكيف انطلقت الدعوات الصادقة من الصحافة وقتها تطالب النواب بعدم "الاندلاق" في منح الثقة حفاظا على صورة المجلس أمام الرأي العام، حتى أن حرجا شديدا بدا على الرئيس جراء الثقة المبالغ بها.
لا أظن أن الرأي العام ينظر بعين الاحترام إلى الحراك النيابي حيال الحكومة بل ينظر إليه ليس بوصفه ضربا من ضروب القوة بل الاستقواء الخالي من الفروسية.
المشكلة أن القضايا التي تفجر الخلافات بين الدوار الرابع والعبدلي ليست قضايا متصلة بالإصلاح السياسي ولا هي متصلة بتناقض في الرؤى التشريعية بين السلطتين بل بقضايا تتصل بمصالح لا تتعدى أسوار المجلس( وان تعدته فإنها تذهب باتجاه شركات المقاولات) ، وإذا كان ثمة تضارب مصالح في الحكومة فان الدستور يمنع المرشح للنيابة ناهيك عن النائب من الارتباط بمصالح مع السلطة التنفيذية فكيف إذا كانت شركات عائدة لنواب في كتلة واحدة تعاقدت في مشروع سكن كريم.
ربما تدفع الحكومة الآن ثمن المبالغة في " تدليل" بعض النواب في مرحلة سابقة وفي موازاة ذلك ثمة أثمان مدفوعة سلفا كمحصلة لتهميش قوى برلمانية مخضرمة وفي نهاية المطاف فان الرأي العام فقد الأمل في رموز المشهد السياسي برمته.
ثمة فراغ سياسي والمؤسسات الدستورية أما مرتبكة أو متعطلة بفعل الخصومات اللامبدأية ، زمن تم حشو صناديقهم بالأصوات صدقوا الحكاية وأصبحوا بين "ليلة وضواحيها" يناكفون من اوصلوهم الى ما هم غليه الان ، والانكى انهم لا يعرفون واجباتهم الدستورية.
هذا غيض من فيض مما علينا من هم اما بالنسية لما حوالينا من هموم فهاكم بعضها:
المؤرخ اليهودي بيني موريس يتحدث عن "فرض الخيار الأردني" وكما يقول الباحث الأردني من جامعة نبراسكا في الولايات المتحدة د. حسن البراري في قراءة لكتاب بني موريس الجديد الذي جاء بعنوان ''دولتان، دولة واحدة، لا حل''" بان الحل بالنسبة له ( بيني موريس) ليس حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة وإنما العودة إلى فكرة ظهرت في بداية السبعينيات من القرن الماضي والمتعلقة بفيدرالية بين الأردن والضفة العربية مع ضم قطاع غزة إلى هذا الكيان. وأكثر من ذلك يطالب بني موريس أن يتم الحل رغما عن الدولة الأردنية".
كذلك فان معهد الـ"CSIS " يرسل من واشنطن الباحثين يقابلوا شخصيات سياسية اردنية ليسألوهم عن رأيهم في دور اردني محتمل في الضفة،بالتزامن مع ما يدور في الكينيست الاسرائيلي من مناقشة فكرة اعلان دولة فلسطينية في الاردن.
بالله عليكم اليس هناك ما يثير القلق؟
samizobaidi@gmail.com