توقيع اتفاق سلام مع إيران
أحمد فهيم
29-07-2018 02:06 AM
تتسارع وتيرة التوتر الحاصل بين طهران والخليج العربي على نحو لا يخدم غير القوى العظمى المستفيدة سياسيا واقتصاديا وأمنيا من إطالة أمد هذا الصراع، ذلك أن واشنطن غير جادة على الإطلاق في تهديداتها وحربها الكلامية ضد طهران، كونها تستخدم الأخيرة كفزاعة لابتزاز المنطقة وامتصاص خيراتها، وإنعاش سباق التسلح على نحو لا يخدم غير المصالح الأمريكية، وقد رأينا بأعيننا كيف كان سمسار البيت الأبيض يعرض بضاعته الكاسدة مع قائمة الأسعار على أحد الزعماء الخليجيين ذات لقاء جمعهما مطلع العام الحالي، وكأنه يسوق لأدوية وعقاقير طبية أو معدات للتنمية الصناعية والزراعية، وليس لقنابل وطائرات للموت وأسلحة للقتل، أما من الناحية السياسية فقد استطاعت واشنطن باستخدام البعبع الإيراني وميليشياته السرطانية أن تدفع دولا عربية وازنة للمضي باتجاه تطبيع علاقاتها مع إسرائيل مقابل توفير الدعم السياسي والأمني لهذه الدول في مواجهة "الزحف الفارسي"، لدرجة أستطيع معها الجزم بأن ذلك يعتبر الملف الأضخم ضمن ما تسمى (صفقة القرن) إن لم يكن الملف الأوحد، بدليل أن ترامب استخدم نفس الأسلوب في تنفيذ أبرز وعدين انتخابيين له وهما نقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة، وإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، وكان يبرز لكاميرات الصحفيين إمضاءه العريض على الوثيقتين المذكورتين في رسالتين إحداهما موجهة لإسرائيل (نقل السفارة)، والثانية موجهة للعرب (إلغاء الاتفاق النووي مع إيران) مع ما يعقب ذلك من تطبيع ومشاريع اقتصادية عربية-اسرائيلية كبرى وسمن وعسل، مع محاولة بائسة ويائسة لتصفية القضية الفلسطينية على قاعدة فرض الأمر الواقع.
أما من الناحية الأمنية، وضمن سياسة الابتزاز ذاتها، فقد سمحت الولايات المتحدة لطهران بأن تضع المنطقة بين فكي كماشة، وجعلت موازين القوى ترجح لصالح نظام الملالي بهدف تعميق حالة الطوارئ والشعور بالخطر وعدم الاستقرار لدى دول المنطقة، فها هم وكلاء الحرب الإيرانيين يسرحون ويمرحون في أربع دول عربية على الأقل، ويسيطرون على الممرات المائية الاستراتيجية لخطوط التجارة العالمية وناقلات النفط، في ذات الوقت الذي أغلقت فيه واشنطن غرفة (الموك) وأمرت - باسم مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه - بإيقاف الدعم العربي الذي كان يتأتى لصالح قوى المعارضة السورية وغيرها من الجماعات التي كانت تحمل السلاح في وجه الميليشيات الإيرانية، وجردت العرب من كل أوراق اللعبة، فأصبحوا بالتالي لا وكلاء لهم في هذه الحرب مع أن دوائرها لا تدور إلا عليهم.
وفي أحدث التصريحات الصادرة عن الحرس الثوري الإيراني على لسان مساعد قائده للشؤون السياسية، العميد يد الله جواني، قال الأخير إن بلاده قادرة على إغلاق مضيق هرمز والتأثير على مستوى الأمن في الممرات المائية بالمنطقة كلها، مهددا بالقول "إن أراد الأميركيون أن يمارسوا بلطجتهم ضدنا فإنه من الطبيعي أن تقوم القوات المسلحة الإيرانية بما يلزم، مستخدمة كل ما لديها من قدرة وجهوزية من أجل الحفاظ على المصالح القومية".
إن طهران لم تعد لقمة سائغة لأحد، وباتت بالفعل تحكم وترسم في هذه المنطقة وليس من مصلحة العرب زيادة مستوى التوتر معها للأسباب التي سبق ذكرها، وليتنا نستفيد من الزعيم الكوري الشمالي الذي كنا نعتقد أنه من أبرز مجانين الكون، فقد فاجأ (كيم جونغ أون) العالم حين احتوى الصراع مع جارته الجنوبية ولم يسمح لواشنطن أن تخترق أمن بلاده أو تستنزف قدراتها العسكرية في حرب مجانية قد تجعل منها لقمة سائغة لأعدائها الحقيقيين.
وبالنظر إلى مقتضيات اللحظة السياسية الراهنة، فإن على العرب عموما والخليج خصوصا إعادة النظر في حاضر ومستقبل العلاقات مع ايران، ونزع فتيل التوتر معها، وإن لم يكن ذلك مراعاة لميزان القوى الذي ترجح كفته لصالحها، في ظل قدراتها المليشيوية العصية على أعتى الجيوش النظامية، فليكن من باب وقف ابتزاز القوى العظمى لخيرات هذه الأمة ومستقبل شعوبها، وتفويت الفرصة على من يريدون تعميق الوقيعة المذهبية بين أتباع الدين الواحد.
وكما وقع العرب على اتفاقيات سلام مع إسرائيل، فبإمكانهم التوقيع على اتفاق سلام مع ايران برعاية روسية أو أممية، واستغلال الثغرة الاقتصادية التي تعاني منها طهران حاليا، بحيث يتم بموجب هذه الاتفاقية كف يد الأخيرة فورا عن التدخل في شؤون المنطقة والتوقف عن سياسة تصدير الثورة، مع إرجاء حسم النزاع على الجزر الإماراتية المحتلة إلى ما يشبه قضايا الوضع النهائي، وكفى الله المؤمنين شر القتال.