انون قومية الدولة اليهودية ، ماذا قد يعنى للأردن ؟
فارس الحباشنة
28-07-2018 02:51 AM
رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري أول سياسي أردني سجل أحتجاجا واضحا لأقرار الكنسيت الأسرائيلي لقانون الدولة القومية ويهودية الدولة ، وجاء ذلك في مقال نشرته الزميلة عمون بعنوان : النكبة الثانية .. قانون قومية الدولة اليهودية .
المصري وضع النقاط على الحروف في وصف القانون بالنكبة الثانية . ورأي به أستكمال لتحقيق المشروع الصهيوني الذي أقره مؤتمر بازل سنة 1897. و اضاف : وبهذا تكون حكومة نتنياهو قد حققت البند الأخير في برنامج ثيودور هيرتزل وهو يهودية الدولة ، وتحول الفلسطينيون في وطنهم المغتصب وعلى كامل التراب الفلسطيني من النهر إلى البحر من مواطنين إلى مجرد سكان بموجب القانون الجديد الذي أصبحت فلسطين بكاملها وطناً قومياً لكامل يهود العالم الذين من حقهم العودة لفلسطين.
ولربما أن التحدي الأكبر في القانون تجاوز فكرة أن يتحول الفلسطنيين الى مجرد سكان عاديين بموجب القانون الجديد ليتعادها الى أطروحة الدولة البديلة ، وهي قديمة ، ووردت في أدبيات صهونية ، و التي تدعي أن أرض أسرائيل جري تقسيمها بفعل عام 1921 ، وحصل العرب على كامل الضفة الشرقية الأردن ، وحيث المكان التي تنازلت به أسرائيل ليكون دولة للفلسطنيين .
في أتفاقية السلام الأردنية الأسرائيلية جرى الاعتراف المتبادل بان مٍسألة اللاجئين و النازحين الفلسطنيين أنسانية و اقتصادية ، ويتم بحثها في أطار سياسي بعيدا عن الحق الشرعي والتاريخي بالعودة ، و بمعنى أدق جدولتها في أطار خطط الاحلال و التوطين على مدى زمني برامجي متذبذب و متقطع .
وبهذا الأتجاه ، و أن جاء قانون قومية الدولة بالغ الأعتراف الصريح بان أسرائيل يهودية و عاصمتها القدس الكبرى و لغتها اليهودية و سكانها يهود دون منافس ولا شريك . بمعنى أدق أيضا أنقلاب على اتفاقتي : أوسلو ووادي عربة وما يسمى عملية وبناء السلام .
مخاوف التوطين و الغاء حق العودة ، و سياسات أسرائيل أزاء المسائل العالقة في الصراع الفلسطيني -الاسرائيلي ، فنحن أمام أستحقاقات واقعية لا مفر من التعاطي و التعامل معها على أنها سياسة أمر واقع ، ودون أفراط في التنظير والممانعة فأسرائيل تمسك كل أوراق لعبة الصراع باطرافه الاقليمية و الدولية والراعيين الكبار .
منظرو السياسة الأمريكية من المحافظين الجدد و على رأسهم "بول وولفوتز" يرأي أن السلام في الشرق الاوسط و التحديث يظلان رهنين التهديد ما دامت الدول العربية المجاورة لأسرائيل أستبدادية وغير ديمقراطية حسب وولفوتز ، وهذا الخطاب من تسعينيات القرن الماضي.
فالديمقراطية كما يرأى وولفوتز هي الصانعة للسلام الحقيقي و الازدهار في الشرق الاوسط ، و هو برأيه ما يحتاج الى هيكلة رديكالية في بلدان المنطقة ومنها العراق ، حيث تحكم الاقلية السنية و سوريا حيث تحكم الاقلية العلوية ، والأردن . وهي من الادبيات السياسية الأمريكية التي حركت حرب العراق في التسعنينات و أسقاط نظام صدام حسين في مطلع الالفية الجارية ، و في الثورة السورية الدامية فيما بعد .
المخاوف الحقيقية والواقعية من مبغة تطبيق اسرائيل للقانون تعني تهجير قسري لفلسطيني الداخل والضفة الغربية ، وما دون عمليات التهجير الهادئة والناعمة التي تتم من عبر أتجاهات عديدة ، قفز خلالها تهجير الفلسطنيين للأردنين بارقام خرافية و تتجاوز الحركة الواقعية والاعتيادية ، وما رافقها أيضا من منح أبناء الاردنيات لحقوق جزئية و حقوق مواطنية موازية لابناء غزة .
الأردن أكثر دولة في المنطقة ستضرر من القانون ، وما عدا عن أزمة الداخل الاسرائيلي ،و هو بمثابة أعلان بلانقلاب تاريخي على عملية السلام ، و أنقلاب على أوسلو بكل هشاشتها ورعونتها ، و لا ينفك السؤال المقلق والمثير للفزغ أيضا عن مصير الاقليات غير اليهودية في أسرائيل .
يهودية الدولة تميز لطابع أثني ، و لربما أن أسرائيل بنيت عليه منذ نشأتها ، وغير أن القانون الحالي يثير مخاوف التهجير نحو الضفة الشرقية "الوطن البديل " ، و التمييز بعنصرية دينية و عرقية" اثنية " تحت غطاء قانوني للأقليات الأخرى في أسرائيل " فلسطين المحتلة " .
و لكن الأخطر في أطار قانون يهودية الدولة ، وما يطرح في ظلال إستنفار أمريكي و إسرائيلي وبتنسيق وشراكة مع دول أقليمية ، فهي تنعي بالاستعجال في تنفيذ مضاعف ذاتي الانفعال لما هو مطلوب في أطار صفقة القرن القائمة على الغاء حق العودة ، و أعلان القدس عاصمة لأسرائيل .
صحيح أن الأردن أكبر مستودع للأجئين في العالم ، و قد يستقبل اعدادا اضافية أخرى ، ولكن المسألة تتعدى التعداد البشري ، وأبرز الاختلالات الخطيرة في عناونيها ما هو قادم سياسيا على الأردن ، وليكون حاضنة "جيوسياسية" لاغلبية فلسطيني خارج فلسطين المحتلة ، وثمة مصالح و أتجاهات رأي لقوى أقليمية ودولية ترى بان مشروع الوطن البديل معادل سياسي موضوعي لحل أزمة اللاجئين .
وبعيدا عن التداعيات الاقليمية للقانون ، وحول الانعاكسات السياسية الأنية ، فثمة ما هو لافت في تحول وتطور طبيعة الدولة الاسرائيلية ، فعلى عكس المسار الطبيعي من دولة تقليدية الى دولة الجماعة الدينية والاثنية ، نحو دولة حديثة ديمقراطية ، فقد حدث العكس .
فلا يفهم مدى تراجع ديمقراطية إسرائيل ، وأن كان مسار تشكل إسرائيل منذ نشأتها مشوها وغير طبيعيا ، و مبنى على أساطير وخرافات دينية وتزوير وتحريف للتاريخ ، فإسرائيل ولدت في الخيال اليهودي في منتصف القرن التاسع عشر دون هوية ترابية .
وما زاد من تعقيد مسار تكوين الدولة وتشكلها أنها قامت في إطار مواجهة مع مجموعة سكانية محلية " الفلسطنيين " أصحاب الأرض و الحق بالوجود تاريخيا وحضاريا ، ما جعل إسرائيل تقوم على بعد عسكري وحربي ليكون من المكونات المهمة في الدولة .
ديمقراطية إسرائيل تراجعت ، ويبدو أنها ذاهبة للعدم ، بعدما كانت تعبيء العالم خطبا بانها الدولة الديمقراطية الوحيدة بالشرق الأوسط .
وهي اليوم توجه تراجعا في ظل حضور يمني ديني يسند تشكل الدولة في عمرها الرابع بالدين والأثنية ، ويقوى معطى العسكري
في تخلي وتراجع عن ديمقراطية أصلا كانت موجهة للتسويق
الخارجي .