حكومة الرزاز مسارات وحوارات
د. بسام البطوش
27-07-2018 02:08 AM
كان الرزاز خيار جلالة الملك في لحظة فارقة، ليرأس الحكومة البديلة لحكومة الملقي الراحلة على وقع مطالبات شعبية بترحيلها.
و قد استقبل الشعب خبر التكليف الملكي للرزاز بارتياح وتفاؤل بأن يكون مختلفا، وأن يقدم ممارسات رشيدة في الحكم والادارة العامة، تنسجم مع مباديء التكليف الملكي، الملتحمة بمطالب الشعب وحراكاته، على امتداد الأردن، ومنسجمة مع اتجاهات الرأي العام التي توضحت بجلاء في اعتصامات الدوار الرابع ومجمع النقابات الرمضانية.
من هنا، فإن حكومة الرزاز تتحمل مسؤولية كبيرة، ليس فقط لدقة المرحلة، وتعقيدات المشهد خارجيا وداخليا، وتعاظم التحديات الأردنية، بل يضاف لها التفاؤل الكبير الذي منحه الشعب لها، بسبب من شخص الرئيس، ولأنها أغدقت في الحديث عن مشروع نهضة وطني، وعن العقد الاجتماعي الجديد! دون توضيح المقصود بهذا العقد الاجتماعي وفلسفته وآليات تنفيذه! وهذا حالها مع مشروع النهضة الوطني الذي لا نعرف معالمه ومجالاته وأدواته ومعايير وضوابط تنفيذه وتقويمه! المهم أننا بتنا أمام مخاض فكري وفلسفي واصطلاحي، يندمج بالمخاضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي يواجهها الأردني صباح مساء، وهذا ما عبر عنه الرئيس الرزاز بمصطلح ( طفح الكيل).
رد دولة الرزاز على خطابات الثقة في مجلس النواب حاول تفسير وتعريف مضامين هذه المصطلحات، لكنه لم يفك طلاسمها معرفيا وسياسيا بالشكل الذي يجعلها صالحة للتداول بين المواطنين بوصفها شعارات تمثل حكومتهم، التي طالبوا بقدومها خلفا لحكومة أذاقتهم المرارات الجبائية والاستعلائية.
وفي كل الأحوال والظروف، فإن الشعب لا تهمه الشعارات ولا البيانات ولا الخطابات ولا المناقشات ولا النوايا، بمقدار اهتمامه بالسياسات والقرارات، وما تحمله من مضامين تنعكس على مستوى حياته الاقتصادية ومعيشته، من جهة، ومقدرتها على إعادة الأمل وتعزيز الثقة بالمؤسسات وأعمال الادارة العامة، من جة أخرى. فالناس لم تعد تحتمل أخطاء جديدة، وهي تعيش حالة ( طفح الكيل). وليس من شيء سيزيد في حجم المعاناة الشعبية ليطفح الكيل أكثر، سوى الممارسات السلبية للحكومة الحالية، وتورطها في ارسال رسائل سلبية من قبيل سلببيات تشكيل الحكومة، وتعيينات رؤساء مجالس ادارة الشركات، على سبيل المثال لا الحصر.
الشعب الأردني ينتظر من الحكومة ثلاثة مسارات في العمل اليومي التفصيلي: أولها، عدم اقتراف الأخطاء من أي نوع وعلى أي مستوى، فقد طفح الكيل. وثانيها، المسارعة الى تصحيح أخطاء الحكومات السابقة ما استطاعت الى ذلك سبيلا، لانه طفح الكيل. وثالثها، إن اخطأت الاجتهاد أن تسارع الى الاعتراف بالخطأ وتصحيحه بعيدا عن العناد والمكابرة والتجاهل، كونه طفح الكيل. إن اتبعت الحكومة هذه المسارات في عملها، وانفتحت على التيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وأدامت التواصل مع فئات الشعب كافة؛ فإنها في المائة يوم الأولى من عمرها تتمكن من بناء الثقة مع الشعب؛ فتصنع لنفسها بيئة مواتية للعمل بتناغم وتكامل مع المجتمع، ومع مؤسسات الدولة كلها.
هذا كله في المسارات اليومية، أما المهمة الرئيسة لهذه الحكومة، ضمن عمرها المحدود المرتبط بعمر مجلس النواب الحالي؛ فهي ليست الحوار حول قانون ضريبة الدخل! بل إجراء حوار وطني عام، حول مجمل الهموم والشجون والتحديات والقضايا الوطنية لبلورة المشروع الذي عبرت عنه الحكومة بمصطلحها (مشروع نهضة وطني)، يرسم لنا ملامح المستقبل، للانتقال الى مجلس النواب التاسع عشر، و الحكومات المرافقة له، عبر سلسلة من التشريعات السياسية الاصلاحية، فيما يخص تطوير تشريعات الانتخابات والأحزاب واللامركزية.
أكاديمي ونائب سابق