الحديث عن الفساد والفاسدين والمفسدين احادي الاتجاه في الغالب, اذ أن الفساد الاقتصادي هو محور حديث الناس واهتماماتهم, الا ان الفساد الاخطر من ذلك بكثير, وربما يكون هو المرحلة الاولى التي تمهد الطريق للفساد الاقتصادي والسياسي والاخلاقي وغيرها من انواع الفساد , الا وهو الفساد الاداري والذي يظهر على شكل استغلال سيء للسلطة الإدارية والصلاحيات من أجل تحقيق منافع ومكاسب شخصية، أو التسبب بإلحاق الضرر بالآخرين، والذي غالبا ما تحركه دوافع شخصية, فعندما يتغول القوي على الضعيف, وعندما يستغل صاحب الصلاحية والنفوذ نفوذه وقوته للإقصاء والظلم وهضم حقوق الآخرين وتجييرها لآخرين, أو حرمانهم منها لأمور ولأهداف شخصية, او يتدخل مستغلا نفوذه وصلاحياته الوظيفية للتأثير على غيره من اصحاب السلطة والنفوذ في مواقع العمل المختلفة لتمرير مشاريعه الخبيثة والوصول الى اهدافه, او لتمهيد الطرق للآخرين من معارفه واقربائه وانسبائه للوصول الى مواقع السلطة والنفوذ, مشكلا بذلك شبكة من الانفاق والطرق الداخلية التي ينفذ بعضها على بعض, فيسهّل لنفسه الطريق لتحقيق اهدافه غير النبيلة والمنافية للأخلاق والقانون, وعندما تسأل , ما الذي اوصل أو وضع فلان في هذا المكان بين عشية وضحاها, وكيف قفز الى هذا المنصب ,في حين ان غيره قدم واعطى, تعب وافنى عمره وشبابه في خدمة وطنه, وسهر الليالي ولم تفتر له همة وهو يواصل الليل بالنهار, الا انه لم يصل لشيء, تجد الجواب في وحشة وظلمة الانفاق التي بنتها قوى الشر والفساد لتهريب بضاعتهم الفاسدة, وتمرير مشاريعهم تحت جنح الظلام الدامس, واذا بفلان الذي تبوأ وارتقى مكانة لا يستحقها وليس اهلا لها, واذ به قريب أو محسوب على فلان, او زوج اخت فلان, او عديل فلان, أو زوج بنت احد اصحاب القرار والنفوذ, او لارتباط فلان بعلاقات اقتصادية ومصالح مع آخر, وربما وراء ذلك الرجل الذي قفز الى منصب ومكانة لا يستحقها واصبح من اصحاب القوة والنفوذ امرأة عظيمة طهرته وغسلته وجعلت منه رجلا صالحا ومناسبا وعظيما ومن غير سابق انذار.
انها الفوضى والعشوائية والمصالح والمحسوبيات والوساطات البغيضة التي نحتكم اليها في قراراتنا في بعض الاحيان, والتي تضعف المعنويات, وترخي الهمم, وتقتل النشاط, وتؤدي الى فتور في العطاء والانجاز, وتصب في حفرة الانهدام والدمار والخراب, وتنخر في النظام مع الوقت وتؤدي الى تآكله, وفي النهاية فان المتأثر الوحيد الذي يدفع ثمن هذا كله المواطن المنتمي الغيور على مصالح وطنه , المحب لأهله, الموالي لقيادته, والمصنف من فئة المواطنين الضعفاء الذين تقام عليهم الحدود.
ان هذا النوع من الفساد المغلف بالصلاحيات يعد اخطر انواع الفساد, وهو نوع من انواع الهيمنة يرقى الى درجة البيروقراطية النفعية , ويؤشر على فقدان المؤسسية , ويجعل من الحديث عن دولة المؤسسات حديثا مثيرا للاستغراب والعجب, ويجعل من الحديث عن مكافحة الفساد حديثا لا يعدو كونه نوعا من التمني بعيد المنال .
فالسلطة (الظالمة الجائرة) تعني امتلاك الشخص لقوة الاجبار والاكراه والقدرة على دفع الاخرين لاتخاذ قرارات تخالف قناعاتهم, وتخالف القوانين, لذا فهي مرتبطة بقوة التأثير, لأنك مهما امتلكت من الارادة فانه ليس باستطاعتك احداث التأثير في الآخرين او تحقيق شيء بغير سلطة تتمتع بها, فالمكانة التي يتمتع بها الشخص هي منبع القدرة, فمكانتك السياسية تجعلك قادرا على التغلب على معارضيك , ومكانتك الاقتصادية تجعلك قادرا على الاطاحة بمنافسيك ممن يحاولون أن يكون لهم مكانة في عالم الاقتصاد والسياسة والنفوذ, فالسلطة (الفاسدة والنفوذ الظالم) هي قوى سياسية واقتصادية واجتماعية ظلامية ظلاليه تعمل على استغلال المكانة والمال للتأثير على الاشخاص أو اصحاب القرار لاتخاذ قرارات او القيام بأعمال معينة تخدم مصالح ضيقة وتخالف القانون, وفي حال تم رفض طلب تلك القوى, فان الشخص الذي يرفض يصبح مهددا في وظيفته, وفي ماله, وربما في حياته, وهذا ما يجعله مستسلما صاغرا وراض بما يريده اصحاب القوة والنفوذ, وكم ممن رفضوا لأمانتهم واخلاقهم واخلاصهم وجدوا انفسهم بلا عمل او اطيح بهم, او ابعدوا عن الطريق وعن ميادين المنافسة بحجج واهية واهنة وقبيحة متذرعة تلك القوى بإجراءات ادارية, او بمتطلبات اعادة الهيكلة, او بذريعة التغيير والتطوير, او ربط هذه القرارات الجائرة بقضايا أو احداث وقعت وجيرت ظلما ضدهم ولحسابهم وهم لا دخل ولا علاقة لهم بها.
ان اغلب حالات ونماذج استغلال النفوذ والقوة والسلطة احبالها قصيرة حيث صاحبتها فضائح من انواع معينة, لطخت أو وصمت اصحابها بسوء السمعة والصيت, وبقيت تطاردهم وتلاحقهم حتى وهم تحت التراب لأن قهر الشعوب لا يوازيه ولا يساويه قهر أو ظلم مهما اتسعت وامتدت اوقات الظلم والظلام, ومصيره الى الهلاك والزوال.
ولنا في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم المثل والقدوة الحسنة (انما هلك من قبلكم من الامم انهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه, واذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد...), حمى الله الاردن عزيزا شامخا نظيفا معافى, واسبغ عليه من نعمه وابعد عنه شر الفساد والفاسدين الى يوم الدين, وادام عليه أمنه واستقراره في ظل سيد البلاد جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه الذي أكد على أنه أول من يقف وراء مكافحة الفساد واجتثاثه بجميع أشكاله من المجتمع ، انه نعم المولى ,ونعم المجيب.