عن المنتدى الثامن للاعلام العربي
محمد خروب
18-05-2009 04:38 AM
يحار المرء، وخصوصاً الاعلامي في التأشير على مدى النجاح او الاخفاق لمؤتمر او منتدى ما في عالمنا العربي، بعد ان انتشرت هذه ''الموضة'' على نحو غير مسبوق، وغدت ''سباقاً'' بين الدول العربية - لا تستثني احداً - تسعى كل واحدة منها الى البروز في مقدمة المستضيفين او المنظمين او الراعين (لك ان تضيف ما شئت من التوصيفات والمصطلحات دون خشية من الوقوع في خطأ ''الدخول'' الى مثلث المحظورات).
مصدر الحيرة يكمن في تداعيات تحديد الموقف او استخلاص النتيجة التي باتت في عالمنا العربي وصفة جاهزة، ضد من لا ينحاز لهذا التقييم او ذاك وبالتالي بات الموقف الرمادي المستند الى ثقافة اللاموقف بمعنى القول نعم ولكن، او لا ولكن، هو السائد في المشهد الاعلامي العربي (دع عنك السياسي والاجتماعي الفاقع الدلالة) وبات من الصعب العثور على او الامساك او معرفة المعنى الاجرائي لمصطلح ''الموضوعية'' المقرونة بالنزاهة، والتي باتت هي الاخرى سلعة رائجة ''وبيّاعة'' في كومة الهشيم العربي الذي لا يحتاج الى ''ولعة'' للاشتعال، لأن حرارة النقاش او قل حرارة العداء وحدة الاصطفافات كفيلة (وحدها) باشعال الحرائق في ''الصحارى'' العربية، السياسية والاجتماعية والاقتصادية وخصوصاً الاعلامية..
المقدمة الطويلة المترعة بالالتباس، احسبها ضرورية قبل الدخول الى عنوان هذه العجالة التي ستكون على حلقتين، في محاولة للاضاءة على مجريات ما حدث من نقاشات وسجالات طوال يومي المنتدى الثامن للاعلام العربي في دبي الذي ينظمه منذ العام 2001 نادي دبي للصحافة، وفق سعي من القائمين عليه الى ''فتح آفاق واسعة للحوار والنقاش العميق وتبادل الأفكار حول قضايا الاعلام في المنطقة وفي العالم''..
عنوان الدورة الثامنة للمنتدى كان مثيراً واشكالياً حد الالتباس ايضاً وخصوصاً انه محمول على مفاهيم متغيرة ورؤى متباينة تتحدد وفق الزاوية التي ينظر المرء اليها ومن خلالها.. وهذا (على ما يبدو) لم يغب عن انظار المنظمين في نادي دبي للصحافة، الذين ارادوا من خلال العنوان ''الاعلام العربي.. ثقل المتغيرات واعباء الأزمات'' .. ان يضعوا الاعلاميين العرب امام ''الجدار'' او عليه.. ليس فقط من خلال دفعهم لطرح السؤال (المرير) ''والتاريخي'' الذي لا مهرب منه وهو ''ما العمل''؟ وانما ايضاً في توسل الحلول والمقاربات وطرح البدائل ''والنقاش العميق وتبادل الافكار''.. فهل نجحت الدورة الثامنة في تحقيق هدفها او على الاقل في وضع ''المسألة'' على جدول الاعمال الاعلامي العربي.. كأولوية؟.
ثمة من يقول نعم وهناك من يقولها مصحوبة ببعض الملاحظات التي تبدو اقرب الى الاستنتاجات، منها الى مأخذ جدي وحقيقي وبخاصة اننا هنا نتحدث على بعدين، احدهما يتعلق بالتنظيم وادارة الفعاليات والالتزام بالتوقيت عند بدء ''ورش'' العمل وانتهائها ناهيك عن الاستفادة من الهنات والاخطاء التي تحصل خلال احداهما لتجنيب ما بعدها... ''شر'' الوقوع فيها. ثم توزيع جوائز الصحافة العربية على الفائزين في دورتها الثامنة وهذا البعد هو من مسؤولية نادي دبي للصحافة واحسب ان القائمين على هذه الدورة سجلوا لانفسهم نجاحا واضحا وقدرة يصعب انكارها.. اما البعد الاخر واقصد ما جرى من نقاشات وحوارات وسجالات والاثر الذي احدثته الفعاليات ''وورش'' العمل التي كانت هي الاخرى ''ساحة'' للجدالات المريرة واظهار المزيد من ''الولع'' العربي في مجرد الحديث والادلاء بالرأي، حتى لو كان صادما ومستفزا وخصوصا اذا ما كان خارج اطار الموضوع، ما بالك ان جمهور هذه الفعاليات في ''جلّهم'' هم من الاعلاميين واصحاب اعمدة الرأي، هنا تصبح المسألة في بُعديها ''مثيرة'' وبخاصة ان عناوين فعاليات الدورة وورشها كانت جاذبة وعصرية (بمعنى انها تطرح اسئلة وتضيء على مشكلات قائمة لا بد من مواجهتها وعدم الاكتفاء بالجلوس في مقاعد الانتظار او انتهاج ''استراتيجية'' ترحيل الازمات او تصديرها، تلك السياسة البائسة التي اوصلت العرب ''جميعا'' الى ما هم عليه من شلل وتبعية وتأخر، سياسيا دبلوماسيا اقتصاديا اجتماعيا وخصوصا اعلاميا).
ماذا عن فعاليات المنتدى وهل وجدت الاجابات على الاسئلة المريرة التي طرحها منظمو الدورة او جمهورها الذي اقترب من ''الف'' شخصية بين اعلامية وسياسية واقتصادية؟.
ماذا عن فعاليات المنتدى وهل وُجدت الاجابات على الاسئلة المريرة التي طرحها منظمو الدورة او جمهورها الذي اقترب من ''ألف'' شخصية بين اعلامية وسياسية واقتصادية؟.
هذا ما انتهت اليه الحلقة الاولى وأحسب أن الاجابة عليه تقترب من ان تأخذ مساراً آخر لان النجاح هنا لا يعبر عنه بطريقة مبسترة او قاطعة، نعم أو لا.. رغم انه سجل نجاحاً على اكثر من صعيد ليس فقط في التنظيم ولكن - وخصوصاً - في طرح الاسئلة الكبيرة التي لم تجد اجوبة بعد لكنه، وهنا يكمن نجاح آخر، في إثارة نقاشات وسجالات وجدالات عاصفة وصادمة تجاوزت حدود المجاملة الى ما يشبه فتح ''الجروح'' التي ما تزال مفتوحة ومعرضة لما يحمله ''غبار'' الحرية والانفتاح والديمقراطية والتعددية وخصوصاً ''الفضائية'' من معرفة او ''هواء'' او بلسم..
في اليوم الاول وقبل الافتتاح الرسمي كانت ثمة ثلاث ''ورش'' حملت ثلاثة عناوين، يصعب على المتابع ان يهرب من ''إغوائها'' وعليه ان يختار الذهاب الى واحدة منها لان توقيتها متزامن، وهنا يفرض ''الفضول'' نفسه على الاعلامي الذي يمكن وصفه ''بالأناني'' او جامع اكثر من بطيخة في يد واحدة، لا يريد لمعلومة او حدث او ندوة ان تهرب منه ولهذا، جُلْتُ واكثر من صديق، على القاعات الثلاث (الصغيرة نسبياً) التي ضمت الورش الثلاث، فكان لافتاً ان ورشة الفتاوى ''من الفتوى الارضية الى الفتوى الفضائية'' قد امتلأت على نحو يوحي بان ''معركة'' على وشك الوقوع، فيما ملأ الاعلاميون المصريون مقاعد القاعة التي حملت عنوان ''الفضائيات المصرية هل تعيد للاعلام المصري.. مجده''، اما الورشة الثالثة ''فضائيات التراث الشعبي.. أي رسالة وأي محتوى'' فقد اختارها المختصون واصحاب الشأن في موضوع كهذا ولم يكونوا قلة على أي حال.
''اشتبك'' الاعلاميون المصريون فيما بينهم وكان هناك من رأى في المجد ''السابق'' مجرد ''أكذوبة'' يصعب ''ابتلاعها'' عبر نموذجها الأبرز ''صوت العرب'' كما قالوا وبدت في نبرتهم روح الشماتة او الاستخفاف، في تعبير عن انحياز سياسي واضح اكثر منه قراءة موضوعية اعلامية ناقدة.. اما ''المعسكر'' الآخر (وأحسب ان التعبير مناسب لان عناوين ورش المنتدى وجلساته افضت الى نتيجة متوقعة كهذه) فقد رأى العكس تماماً وسانده هنا اعلاميون ''عرباً'' كثيرون لكن الورشة هذه، على رغم اقتصارها على الاعلام المصري وفضائياته، كانت تعبيراً ساطعاً ونموذجاً لحال المشهد الاعلامي العربي بمكوناته القُطرية.
قلنا معسكرات؟.
نعم، فالجلسة الاخيرة التي سبقت حفل توزيع الجوائز والتي استقطبت حضوراً ''كثيفاً''، كشفت في جملة ما كشفته، عن حال الاصطفافات ذات البعد السياسي (رغم الرداء الاعلامي) التي باتت سمة الاعلام العربي، منذ العدوان الاسرائيلي على لبنان في تموز 2006 وخصوصاً الحرب الهمجية الاسرائيلية الاخيرة على قطاع غزة والتي نجح المنظمون في التقاط أبعادها او في جعلها موضوعاً للجلسة السابعة (والاخيرة) لمناقشة ''كيف تحولت كثير من وسائل الاعلام العربية الى (صدى) لمواقف سياسية متباينة في المنطقة''.
''غزة: مكاشفة اعلامية'' كان العنوان، لكن السجالات اندلعت وتمحورت ''المواجهة'' بين قناتي العربية والجزيرة.. لكل منهما أنصاره ولكل منهما خطابه ومبرراته وقراءته التي تفوح منها رائحة ''السياسة'' بكل دروبها وزواريبها واحبولاتها، رغم ان مصطلحات كالموضوعية والنزاهة والحقيقة (..) لم تغب عن اذهان المتحدثين كما المداخلين فالتصفيق الحماسي (وخصوصاً من قبل مستخدمي وموظفي القناتين) كان هو السائد.
سيمور هيرش كان نجم احدى الجلسات المثيرة والمفيدة (خصصت جلسة افتتاحية كاملة عن الصحافة الاستقصائية كان هو المتحدث الرئيسي والوحيد فيها)، فهذا الصحفي الاستقصائي الشهير، بتواضعه وموضوعيته نجح في جذب جمهور كبير تفاعل مع ''نصائحه'' ومعلوماته وتجربته، حد تجاوز الوقت المخصص للجلسة، لانه تحدث عن تجربة ثرية تجاوزت اربعة عقود ناهيك عن حديثه الشيق حول اساسيات الصحافة الاستقصائية كما تمارس في الصحافة المعاصرة، ولم تغب بطبيعة الحال ''اكتشافاته'' الصحافية التي احدثت ردود فعل واصداء هائلة بدءاً من مذبحة ''ماي لاي'' التي ارتكبتها القوات الاميركية في فيتنام عام 1968 وليس انتهاءً بفضائح التعذيب في سجن ابو غريب ومعتقل غوانتنامو.
قصارى القول ان عناوين جلسات الدورة الثامنة لمنتدى الاعلام العربي التي ينظمها نادي دبي للصحافة، كانت موفقة والنقاشات التي دارت على هامشها على سخونتها واحياناً خروج بعض المداخلين على المألوف وخصوصاً رفضهم الواضح لحق الاختلاف والاعتراف بالتعددية، إلاّ أن النتيجة كانت ؟ فيما احسب ؟ ايجابية.
في الختام استعير ما كتبه المصور الهولندي ''هيوفان ايس'' الذي خلّد سقوط سايغون في نيسان 1975 بصور التقطها لمروحية تقوم باجلاء عناصر لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية في المدينة. كتب المصور الهولندي الذي رحل عن دنيانا قبل يومين ''انه مثل كثير من الامور المتعلقة بحرب فيتنام، الواقع ليس هو ما نعتقد انه كذلك''.
إذا رفعنا ''حرب فيتنام'' ووضعنا مكانها ''الاعلام العربي''.. هل نخرج عن السياق؟.
kharroub@jpf.com.jo
الراي