يدور اليوم الحديث عن مقدرة رجال السياسة الأضطلاع بمهام تنقذ بلدانهم من الفوضى وتصحح المسار، ولدينا في الأردن بعض سياسيين مغرومين بالطبقة السياسية اللبنانية، وذلك لحيويتها ومقدرتها على بناء خطابها، على مآخذنا عليه.
ومما يستوقفك في التاريخ اللبناني، سيرة أول رئيس وزراء بعد الإستقلال، وهو رياض الصلح الذي اغتيل بالأردن عام 1951م، إثر قضية "أنطون سعادة" مؤسس الحزب القومي السوري الاجتماعي.
كما أن الصلح له صلة بالأردن، إذ حضر في شبابه حفل الاستقلال الأول الذي أقيم في الـ 25 من أيار 1923م، لذا فعلاقته بالأردن والملك المؤسس الشهيد كانت علاقة قوية متعززة بشعور الرجلين بمسؤوليتهما نحو أمتهما في زمانٍ كانت سادته مفاهيم القومية والعروبة بحلمها الرومنسي الكبير، وسعيهما لترجمتها بحدود الواقعية السياسية.
إذ أدرك الرجلان أن الواقع أمر يجب التعاطي معه، وأن وجهات نظريهما، وإن اختلفت إلا أنها تبقى في إطار المبادئ.
كما أن اغتيال الشهيد رياض الصلح في تموز من عام 1951م، عقبه بأيامٍ اغتيال الملك المؤسس الشهيد بالقدس، ويمكن القول أن اغتيالهما مهد لحقبة سياسية شهدت فيما بعد تسلل لغة الاغتيالات للمشهد السياسي العربي.
رياض الصلح، تختزل سيرته في ثناياها مثالاً لرجل السياسة، والعقائدية في آن معاً، إذ كان وصوله لسدة رئاسة الوزراء رفقة الرئيس بشارة الخوري والأخير لبناني ماروني صيغة لتأسيس الميثاق الوطني اللبناني عام 1943م.
وهذه الصيغة غير المكتوبة والتي استنطقت من البيان الوزاري لحكومة الصلح، فسرت بقولها : " إن لبنان بلد عربي يستسيغ الخير النافع من حضارة الغرب"، كما أنها عبرت عن تنازل بعض سياسي الطائفة المارونية عن مبدأ الحماية (أو الانتداب) وتنازل مسلمي لبنان عن مطلبهم بالوحدة مع الداخل السوري.
الصلح، أدرك باكراً أن مطلب الوحدة مع الداخل السوري، وتفكيك لبنان الكبير المعلن عن حدوده عام 1920م، يشوبه تشوهات إثر تنازل السوريين بداية عن امتدادهم الإسلامي بالعمق اللبناني وتوقيعهم معاهدة مع فرنسا عام 1936م تثبت حدود سوريا.
وببراغماتية حميدة، نجح بتحول المطلب من "وحدوي" إلى "حقوقي" يتمثل بحق المسلمين بالحصول على امتيازات الدولة اللبنانية، فنجح برفقة الخوري في تأسيس دولة شعبية في لبنان، أو تجربة ما زالت ملهمة لكثير من اللبنانيين حتى عام 1958م.
وما بين المثل العليا والواقعية هناك ليس "هوة" وإنما "مساحة" على السياسي أن يدركها ليقرب بينهما.
وصيغة العيش والجوامع الوطنية، ومن أسس لها في دولنا العربية.. هي أكثر ما نحتاج لتدبره في واقع عربي يحمل سمات التشظي، فكثيراً ما يكون رجل السياسة عنوان سلام إن أتقن دوره.