التغييرات المتوقعة .. "بناء الرؤية"!
د. محمد أبو رمان
17-05-2009 05:11 AM
ترصد النخب السياسية والإعلامية إحداثيات المشهد الحالي، وتترقب أي إشارات ومؤشرات حول المرحلة المقبلة، ومستوى التغيير المتوقع وحجمه في مؤسسات القرار.
تختلف التوقعات والتقديرات، فهنالك من يتحدث عن "ثورة بيضاء" تشمل مؤسسات الدولة، في مقدمتها البرلمان والحكومة، ومعهما مؤسسات حيوية أخرى، وثمة من يتحدث عن تغيير حكومي فقط،. كذلك تختلف قراءة اتجاهات التغيير ومساراته وأسماء النخبة الجديدة وعناوينها السياسية.
بالرغم كل هذه الاختلافات، فإنّ أغلب التوقعات تتحدث عن موعد رئيس سيشكل محطة حاسمة في تقرير المرحلة المقبلة، وهو لقاء أوباما- نتياهو، المفترض غداً، وما سيصدر عنه من مخرجات أولية تشي بملامح المعادلة الإقليمية، ما سيوضّح طبيعة البيئة الخارجية وتأثيرها على مسار الإصلاح في الأردن، والذي تدفع شريحة واسعة من النخبة السياسية إلى أهميته في تدشين "لحظة انتقالية" تؤسس للعشرية الجديدة من حكم الملك عبدالله الثاني.
إذن، من المتوقع أنّ الأيام القريبة ستقشع الضباب الكثيف عن المشهد الحالي، وستتحدد سمات "مطبخ القرار" الجديد. إذ تتعدد وتضارب اتجاهات ومقاربات النخب المحيطة بمؤسسات الدولة اليوم، حول مصادر التهديد وأوليات الدولة وأدوارها، وكذلك في المعادلة المطلوبة للتوازن بين الأبعاد السياسية والأمنية والاقتصادية.
إذ ما يزال البعض يرى أنّ مصدر التهديد للأمن الوطني يأتي من الطرف الإيراني ومحوره، بالرغم أنّ هذا التوجه تراجع كثيراً في الآونة الأخيرة، وأثبت عقمه. وهنالك اتجاه يغلّب هاجس خطر الحكومة اليمينية الإسرائيلية ومخططاتها لترحيل الأزمة الفلسطينية إلى الأردن، عبر دور في الضفة الغربية.
في المقابل، يبرز اتجاه جديد، تأخذ رؤيته مدىً أوسع، يرى أنّ مصدر التهديد الحقيقي اليوم داخلي، وليس خارجياً، يحيل ذلك إلى المخرجات الاجتماعية- الأمنية جراء برنامج الإصلاح الاقتصادي التي ضربت العمود الفقري للطبقة الوسطى، وأدت إلى تداعيات اجتماعية خطرة، في حين هنالك من يتحدث عن الشرخ الكبير في العلاقة الأردنية- الفلسطينية، بشقها الداخلي، والذي يتسع ويأخذ أبعاداً أكبر مع مرور الوقت.
يقع في خلفية الحديث عن التغييرات المتوقعة "أزمة سياسية" حقيقية تتمثل في تعثر مبادرات ومقدمات الإصلاح السابقة، والارتباك في توزيع الأدوار بين مؤسسات الدولة الدستورية والموازية، مع عدم تحديد المهمة الحقيقية لمؤسسات تشكلت أو قيد التشكل كمركز إدارة الأزمات، في سياق ضبط دور الأجهزة الأمنية في "المربع الأمني".
هذه "الضبابية" تلقي بظلال ثقيلة على المشهد السياسي، وعلى مصداقية العلاقة بين المؤسسات الرسمية والشارع، وتدفع إلى تجاوز اشتغال النُخب العبثي بالتكهنات عن "حيثيات التغيير" إلى الجانب الأهم الملتبس وهو "الرؤية الحاكمة"، التي من المفترض أن ترسم طريق التغيير وتحدد أهدافه ومساراته المقبلة.
في السنوات الأخيرة شهد الأردن "تحوّلات جذرية" في صيغة العلاقة بين الدولة والمجتمع، اقتصادياً وسياسياً، في سياق إقليمي مضطرب، وتجاذبات داخلية بين النخب في مؤسسات القرار، وتباينت الآراء في تقييم ما تمّ إنجازه على المستويات كافة، وما أخفقنا فيه، وتوّلدت أسئلة ملحة بنيوية، تنتظر الإجابة، حول هوية الأردن في المستقبل، والعلاقة بين مكوناته السياسية والاجتماعية.
جلالة الملك، وعبر مناسبات متعددة، أكّد على أهمية الإصلاح وتلازم مساراته، لكن النخب الرسمية وغير الرسمية فشلت في تأطير هذا التوجه ضمن مشروع عملي توافقي.
التغيير الحقيقي يتعدّى تدوير النخب والوجوه، إذ يفترض التأسيس لذلك برؤية راسخة حول صيغة المشهد الوطني، الذي يجيب على أسئلة مقلقة في خضم تحولات كبيرة داخلياً وخارجياً، ما يجعل من مسار الإصلاح واضحاً توافقياً، لا لغزاً يخضع للتسريبات والأقاويل والتقلبات!
m.aburumman@alghad.jo