قانون ضمان الحق في الحصول على المعلومات الذي نريد
د. نهلا المومني
23-07-2018 05:58 PM
جاءت تصريحات وزيرة الدولة لشؤون الإعلام بنية الحكومة تعديل قانون ضمان الحق في الحصول على المعلومات رقم (47) لسنة 2007م متوافقة والمطالب الحقوقيّة القديمة الحديثة بضرورة مراجعة هذا القانون ليحقّق الغاية الأساسية من وجوده، وهي إنسيابية المعلومات ممّا يؤدي بالنّتيجة إلى الشّفافية، وبالتّالي القدرة على المُسآءلة والمُحاسبة؛ وهو الأمر الذي لم يُحقّقه القانون منذ إقراره عام 2007م؛ نظراً إلى إفراغ القانون من جوهره ومضمونه وفلسفته الأساسية لأسبابٍ عديدةٍ أبرزها، إعطاء الأولوية في حالة التعارض التشريعيّ للقوانين الأخرى، وإتساع قاعدة الإستثناءات المفروضة على المعلومات، وإشتراط وجود المصلحة لدى طالب المعلومة، علاوةً على خلو القانون من معايير وأسس واضحة لعملية تصنيف للمعلومات في ظل غياب الرقابة الإداريّة والقضائيّة على عملية التّصنيف.
والسؤال المطروح في هذه المرحلة وفي ظل التّوجهات الحكوميّة التي قد تُبشّر بالخير: ما هو قانون ضمان الحق في الحصول على المعلومات الذي نريد؟
بدايةً لا بدّ من التّأكيد على أنّ نقطة الإنطلاق والأساس الفكريّ الذي يقوم عليه هذا الحق، هو أنّ المعلومات تُعدّ ملكيةً عامّةً للجمهور ومورداً قيّماً، فالجهات العامّة لا تحتفظ بالمعلومات لذاتها بل تقوم بدور القيّم أو الحارس عليها لحين طلبها من قبل الأفراد، ولا يُمكن إبقاء طابع السرّية عليها إلاّ إذا إقتضت المصلحة العامّة ذلك، ولدى وضع أيّ تشريعٍ يتعلّق بهذا الحق لا بدّ وأنّ ينطلق المُشرّع واضعاً في ذهنه هذه الفلسفة الطبيعة. وعليه وإنطلاقاً من هذه الفلسفة فلا بدّ وأنّ يتضمّن القانون الذي نريد مرتكزات ومبادئ أساسية للقول بأنّ هذا القانون كفيلٌ بتحقيق الشّفافية والإنسيابيّة في المعلومات، هذه المرتكزات والمبادئ أشارت إليها لجنة حقوق الإنسان المنبثقة عن العهد الدوليّ الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة في تعليقاتها العامّة وفصّلتها منظمة المادة (19) في ظل أفضل الممارسات الدوليّة في هذا الجانب، وأبرزها:
- مبدأ الكشف الأقصى عن المعلومات؛ ويشكّل هذا المبدأ الإطار المرجعيّ فيما يتعلق بتشريعات الحق في الحصول على المعلومات، ويقوم على فكرة مفادها أنّ المعلومات كلّها التي بحوزة الجهات الحكوميّة أو المعنية يجب أن تكون متاحةً من حيث المبدأ، وأن يتّسع نطاق تطبيق الحق ليشمل أيّ شخصٍ دون الحاجة لتسبيب طلب الحصول على المعلومات وتعليقه بضرورة وجود مصلحة مشروعة؛ فاستعمال الحق لا يستدعي التّبرير.
- مبدأ الإفصاح الإستباقيّ؛ وهو مبدأ يوجب على الجهات المعنية بتطبيق القانون نشر المعلومات بمبادرة منها ودون الحاجة إلى طلبٍ مسبقٍ من الأفراد، سواءً أكانت معلومات تتعلق بموازنة المؤسسات وآلية إنفاقها أوآلية إتخاذ القرارات وغيرها من المعلومات التي من شأنها تمكين الأفراد من فرض رقابتهم على الأداء.
- مبدأ محدودية الإستثناءات؛ فالإستثناءات المتعلقة بالمعلومات يجب أن تكون إستثناءات واضحة ودقيقة وتحقّق بالفعل مصلحة عامّة عليا وأن تكون في أضيق الحدود، فلا تنقلب العلاقة ليُمسي القيد والسرّية هو القاعدة العامّة وتصبح الإباحة والإتاحة هي الإستثناء.
-التّعارض التشريعيّ، فحيثما وجد تعارض بين قانون ضمان الحق في الحصول على المعلومات وقانون آخر يتوجب أنّ تعطى أولوية التّطبيق لقانون الحصول على المعلومات وأنّ يخلو القانون من أيّة نصوص تمنح الأولوية في التّطبيق للتّشريعات الأخرى ممّا يؤدي إلى أنّ يفقد الحق جوهره وقيمته.
وهناك مرتكزات ومبادئ أخرى للخروج بقانون نموذجيّ للحق في الحصول إلى المعلومات لا يتّسع المقام هنا للإغراق فيها، أبرزها وجود أسس ومعايير واضحة لتصنيف المعلومات وخضوع عملية التّصنيف للرّقابة الإداريّة والقضائيّة. وضرورة وضع إجراءات لتسهيل عملية الحصول على المعلومات في المؤسسات المعنية؛ كتقصير فترة إجابة طلبات الحصول على المعلومات خاصّة في الحالات المستعجلة، ووجوب أن تكون الإجتماعات العامّة مفتوحة لحضور الجمهور، وأنّ يتضمن القانون عقوبات على من يمتنع عن إعطاء المعلومات أو يقدّمها مُجتزئة لطالبها وغير ذلك من الأفعال المجرّمة. وقبل كل ذلك لا بدّ من وجود هيئة مستقلة تتولى متابعة هذا الحق على أن تتمتع بالإستقلالية والحياديّة ويكون لقراراتها قوة ملزمة.
إنّ المرتكزات والمبادئ المذكورة أعلاه للنّهوض بواقع الحق في الحصول على المعلومات تغيب عن قانون ضمان الحق في الحصول على المعلومات الحالي. في الوقت الذي يلتزم فيه الأردن بحكم تصديقه وإنضمامه إلى العهد الدوليّ الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة بمراجعة تشريعاته بما يكفل ضمان الحقوق التي كفلها العهد، ومنها الحق في الحصول على المعلومات. فهل سنشهد في الأيام القادمة ونحن نقف الآن على أعتاب مرحلة تبادر الحكومة وتصرّح على أكثر من منبرٍ بنيتّها توفير المعلومات وتحقيق الشّفافية، خطوات تشريعيّة إصلاحيّة حقيقيّة وجوهريّة لا شكلية في إيجاد تشريعٍ حداثيّ يضمن تمكين الأفراد من ممارسة حقّهم في الحصول على المعلومات؟
الكاتبة دكتورة في القانون الدوليّ العام، وناشطة في مجال حقوق الإنسان.