صفقات قرن جديدة عقدت وتعقد
اللواء المتقاعد مروان العمد
23-07-2018 12:34 PM
في غمرة الحديث عن صفقة القرن واختلاف الروايات على تفاصيلها وموعدها ومكان تطبيقها ، فقد سبق وان قلت انه لا توجد صفقة قرن واحدة شاملة بل توجد مجموعة من الصفقات جرت على مدار العقدين الماضيين . والمتتبع للتطورات والاحداث الحالية يستطيع ان يلمس جملة من صفقات القرن يتم تمريرها في هذة الايام لتمتد تأثيراتها الى مجموعة من الدول في المنطقة . وسوف احاول اليوم ان استعرض الاحداث واربط خيوطها للخروج بتصوراتي الخاصة لهذ الصفقات .
وكانت نقطة البداية الضوء الاخضر الذي اعطي لقوات النظام السوري والقوات الروسية للتقدم نحو الجنوب حيث درعا والقنيطرة وحوض اليرموك وسط صمت ان لم نقل مباركة امريكية وعدم اعتراض اردني واللذان تعمل الكثير من فصائل المعارضة في المنطقة تحت مظلتيهما . ووسط صمت صهيوني على اقتراب الجيش السوري لمقاتلة فصائل المعارضة المتواجدة بالقرب من حدودة ، تلك التنظيمات التي كانت تحظى بموافقة صهيونيه ضمنية على تواجدها في تلك المنطقة ، بل اكثر من ذلك التعايش معها سواء اكانت تنظيمات معتدلة او متطرفة او ارهابية ، بل واكثر من ذلك كانت تقدم لهذة التنظيمات الدعم والمساندة والرعاية .
وفي هجوم سريع وخاطف استطاعت قوات النظام والقوات السورية السيطرة على حوالي تسعين في المائة من مساحة محافظة درعا رغم الضجيج الذي اثارتة تنظيمات المعارضة بهذه المنطقه في البداية . ورغم محاولة تهجير مئات الالوف من سكانها الى الاردن والذي افشل هذه الخطة . وكان قد تم ابعاد المليشيات الايرانية والشيعية عشرات الكيلومترات بعيدا عن مناطق الاشتباكات بموجب تفاهمات سابقة روسية ايرانية صهيونية .
وانتهى الوضع بتسليم تتظيمات المعارضة في درعا لأسلحتها الثقيلة والمتوسطة واعلان بعضها استعدادة للتنسيق مع الفيلق الخامس الذي تشكل من قبل النظام من متطوعين سوريين لمحاربة الارهاب .
ثم تقدمت قوات النظام نحو القنيطرة وبعد بعض القصف تم التوصل الى اتفاق بين التنظيمات المتواجدة فيها والقوات الروسية على دخول القوات السورية الى مواقعها الاصلية قبل عام ٢٠١١ اي على الحد مع الكيان الصهيوني وانسحاب من يرغب من اعضاء هذه التنظيمات وعائلاتهم الى ادلب . وطبعاً كل ذلك بموافقة ورضى دوله الصهاينة . اما بالنسبه لاعضاء تنظيم النصرة في المنطقة فقد اختفوا منها ويبدوا ان ذلك قد تم بموجب اتفاق اجلاء سكان بلدتي الفوعة وكفريا من سكانهما من الطائفة العلوية في محافظة ادلب والمحاصرتان من قبل النصرة منذ عدة سنوات الى دمشق . اما جيش خالد بن الوليد المبايع لداعش فقد اخذ هو أيضاً يتبخر من المنطقة ولم يبقى منه الا اعداداً بسيطه .
وفي وقت متزامن تسربت اخباراً عن اتفاق اميركي روسي على اخلاء قاعدة التنف الاميركية خلال اشهر مقابل خروج المليشيات الايرانية من سورية ، وعن طلب اميركا من جيش اسود الشرقية وتنظيم الشهيد احمد عبدو المتواجدان في محيط القاعدة بتسليم سلاحهما الثقيل للأردن وانتقال مقاتليهما الى منطقة دير الزور ليعملوا على محاربة تنظيم داعش تحت رايه قوات سورية الديمقراطية . وبهذا تكون المواجهة العسكرية قد قاربت على الانتهاء في جنوب سورية ، وتكون قوات النظام قد عادت الى مواقعها على طول الحدود الاردنية بما فيها المعابر وعلى الشريط الحدودي مع الكيان الصهيوني .
وهذه المكاسب العسكرية ما كانت لتتحقق للنظام في سورية لولا ما كان يتم خارج سورية من اجتماعات واتفاقات وصفقات
ففي يوم الاربعاء الموافق ١١ / ٧ / ٢٠١٨ زار رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو موسكو واجتمع مع الرئيس الروسي فلادمير بوتين حيث جرت مباحثات بين الطرفين تتعلق بالوضع في سورية .
وقد خرج نتنياهو في اليوم التالي ليصرح بأنه ليس لدينا مشكلة في تواجد الجيش السوري عند خط وقف اطلاق النار في مرتفعات الجولان ( الامر الذي تم بعدها بأيام ) واضاف انه ليس لدينا مشكلة مع نظام الاسد فخلال اربعين سنه لم تطلق رصاصة واحدة من هناك نحونا . وان كل اهتمامنا هو طرد الايرانيين من سورية ، وان روسيا تعمل على ابعاد القوات الايرانية عن الحدود الشمالية وأخلاء الصواريخ التي تهدد اسرائيل واخراج القوات الايرانية من كل سورية والحفاظ على اتفاقيات وقف اطلاق النار المبرمة بعد حرب اكتوبر عام ١٩٧٣ .
هذا وقد تزامنت زيارة نتنياهو الى موسكو وبنفس اليوم زيارة علي اكبر ولايتي / مستشار المرشد الاعلى الإيراني علي خامنئي للشؤون الدولية واجتماعة مع بوتين في اليوم التالي مباشرة الموافق ١٢ / ٧ / ٢٠١٨ . وبالرغم من عدم الاعلان عن تفاصيل ما دار في هذا الاجتماع فأنه ليس من الصعب التكهن بمضمونه وعلى ضوء التطورات العسكرية التي جرت في سورية والتي اشرت اليها سابقاً .
وفي يوم السبت الموافق ١٤ / ٧ / ٢٠١٨ التقى بوتين في موسكو مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس حيث قال له بوتين انني مسرور لفرصة اطلاعك على الاتصالات التي اجريناها مع جيرانكم وقادة مختلف الدول . اي ابلاغة بما تم الاتفاق علية في لقائة مع نتنياهو ومستشار المرشد الاعلى الايراني .
وبعد ايام وبينما كانت تنظيمات المعارضة تسلم اسلحتها الثقيلة والمتوسطة لقوات النظام السوري وتعلن انها سوف تتعاون معه في محاربة الارهاب صرح نائب رئيس هيئة التفاوض السورية خالد المحاميد ان شعب حوران لن يتخلى عن السلاح طالما ان هناك وجود ايراني وان ايران تلعب بالورقة السورية لأيجاد دور لها في المنطقة . وانه يمكن الاعتماد على الفيلق الخامس والتعاون معه للقضاء على تنظيم داعش . اي انه تم حصر معركة المعارضة السورية ضد الارهاب بالتعاون مع النظام وضد الوجود الايراني وكما تريد دولة الكيان الصهيوني .
ثم استكملت الخيوط في هلسينكي حيث عقدت القمة الروسية الامريكية يوم الاثنين الموافق ١٦ / ٧ / ٢٠١٨ ، حيث كان ترامب قبلها بيوم واحد قد صرح ان روسيا والاتحاد الاوروبي والصين هم اعداؤنا .
الا انه واثر اجتماعه مع بوتين صرح بمجموعة من التصريحات التي لها دلالاتها : -
فقد قال انه بحث مع بوتين الطموحات الايرانية النووية وانهما لن يسمحا لايران بالاستفادة من الانتصار على داعش في سورية وانه يجب ممارسة الضغوط عليها لوقف انشطتها في المنطقة . وقال انه بحث مع بوتين الامن الاسرائيلي وانه وبوتين متفقان على تحقيق ذلك . وقال انه تناول مع بوتين الحرب الاهلية في سورية والتعاون فيما بينهما لحل الازمه السورية وضروة تقديم مساعدات انسانية لشعبها واعادة اللاجئين السوريين لبلادهم ولأنقاذ مئات الآلاف من الأرواح فيها . وقال ترامب ان تحسناً قد طرأ على العلاقات بينهما وان الحوار بينهما يفتح الطريق نحو السلام والاستقرار في العالم وان واشنطن حريصة على ابعاد العداء في علاقتها مع موسكو .
فيما ركز بوتين في تصريحاته على ضرورة التعاون ما بين موسكو وواشنطن وحل الخلافات بينهما . وقال بوتين بأنه يمكن لروسيا واميركا التعاون لحل الازمة الانسانية في سورية وانه وبعد القضاء على الارهاب جنوب سورية يجب اعادة الوضع في الجولان الى ما كان عليه وفق اتفاق وقف اطلاق النار بين سورية واسرائيل عام ١٩٧٤
وقد وصف مراقبون لقمة هلسينكي بأن اداء بوتين في هذه القمة كان قوياً فيما كان أداء ترامب ضعيفاً مما اعـتبر فوزاً حاسماً لبوتين . وان هذه القمة كانت اقراراً ببقاء نظام بشار الاسد والاقرار بالسيطرة الروسية على المناطق الخاضعة لسلطه النظام .
وفيما تسعى قوات النظام والقوات الروسية للسيطرة على الجيب الاخير في الجنوب السوري الذي يسطير عليه جيش خالد ابن الوليد فإن الانظار متجهة الآن نحو ادلب التي احتشدت بها عناصر المعارضة السورية الذين تم تهجيرهم اليها خلال الفترات السابقة والتي ينتمي معظمهم لتنظيم النصرة الذي يسيطر على اغلبية هذه المحافظة فيما يسيطر النظام على قسم منها وينوي التقدم للسيطرة على باقي انحائها . الا ان هذا قد يعني المواجهة مع القوات التركية المتواجدة في هذه المحافظة كقوات ضامنة لعدم التصعيد فيها . وقد ابلغ الرئيس التركي رجب طيب اردوغان نظيرة الروسي بوتين ان اي استهداف من قبل النظام لادلب سوف يؤدي الى انهيار محادثات استانا . وتسعى تركيا الى ابقاء ادلب تحت سيطرتها او على الاقل الحصول على مكاسب مقابل التخلي عنها للنظام قد تكون في مجال توسيع مناطق سيطرتها على الشمال الغربي لسورية ليمتد الى مناطق الى الشرق منها على حساب التواجد الكردي ، او الامتداد الى الوسط حيث حلب وريفها ليصبحا تحت نفوذها كما تردد مؤخراً ان مباحثات تركية روسية تدور حول ذلك حالياً ، لكي تقوم بعد ذلك بأعادة اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا الى هذة المناطق . وبهذا يتم تثبيت تقسيم سورية الى ثلاثة اقسام الاول تتواجد فيه فصائل المعارضة السورية والمرتبطة بتركيا وتحت سيطرة قواتها . والثاني فيى المناطق التي تتواجد فيها قوات سورية الديمقراطية التابعة للأكراد والتي ستكون خاضعة للنفوذ الامريكي . والقسم الثالث والذي تتواجد فيه قوات النظام والذي سوف يكون خاضعاً للهيمنة الروسية .
وبهذا تكون صفقةالقرن قد اكتملت بالنسبة الى سورية ولكن هذا سيكون مرتبطاً بموقف النظام الايراني ومدى استعدادة لقبول ذلك وسحب مليشياتة من سورية ، وهذا الذي تعمل روسيا على اقناع هذا النظام به . وقد يكون ذلك عن طريق أعطائه حصته من الكعكة والتي قد تكون ابقاء سيطرته على العراق أو تمكينه من اليمن أو العودة الى تفعيل الاتفاق النووي مع تعديلات طفيفة علية او بكل ذلك مجتماً .
وحتى تمر اي صفقة ستعقد بالنسبة للقضية المركزية الا وهي القضية الفلسطينية فلا بد من الحيلولة دون استخدام حق النقض / الفيتو من قبل اي عضو من اعضاء مجلس الامن بما فيهم التنين الصيني والذي تم اعطائة الدفعة الاولى من الثمن الا وهو الاتفاق الصيني الكويتي والمتضمن قيام الصين باستثمارات ضخمة في الكويت وفي اقامة مدينة الحرير وما قد يتبع ذلك وما يشاع من حماية امنية صينية لهذة الاستثمارات ، بالاضافه للاستثمارات الصينية الحالية في عُمان والمرشحة للتزايد في المستقبل القريب .
اليس كل ذلك صفقات قرن تعقد الى جانب التي سبق وان عقدت في انتظار صفقه القرن المتعلقة بالقضية الفلسطينية .