بمناسبة عيد العمال العالمي, وردتني من الزميل معاذ عصفور الرسالة الخلوية التالية: »السلط تؤمن بحتمية انتصار الطبقة العاملة, تماما كإيمان أبنائها بأن الخيار القومي استجابة لمعطيات التاريخ وحقائق الصراع«.وفي هذه الكلمات تلخيص لرؤية ماركسية - قومية معروفة, لكن ما لفتني هو ان صاحبها لم يستطع ان يعيها الاّ مقترنة بالسلط .. وقد اعترض احد نشطائها اللامعين, غفار ابو السمن, على اصطلاح »الخيار القومي«, مفضلا عليه اصطلاح »الخيار العروبي«, درءا لخطر استيراد المفاهيم الغربية العنصرية او لتصريف ما هو عربي لحساب الاحزاب القومية. لكنه, بالطبع, لم يعترض على السلط ...
سوف تأتيني, في مناسبة اخرى, رسالة خلوية سلطية, تقول: »السلط تؤمن بأن الاسلام هو الحل« او »السلط تؤمن بأن الديمقراطية هي الحل« او »السلط تحيي النادي الفيصلي« او ما شئت من الشعارات .. لكن, دائما, بلا ارتباط مع السلط!.
حقاً هناك عصبية سلطية, وهي فوق الخلافات »الثانوية«! والطريف ان الاردنيين, من كل المناطق, يلاحظونها, ولكنهم لا يتحسسون منها, ويرون فيها عمودا من أعمدة »الوطنية الاردنية« وقد رأيت شباباً من الكرك واربد يهزجون في أحد أعراس السلط, الأهزوجة التقليدية:
احنا السلطية الأحرار
الحياري وابو نوار
وقد حدث ان فتيانا من السلط, رحبوا بالراحل الكبير الملك حسين - رحمه الله - بحرارة لدى لقائه في احدى الزيارات, فغنوا له هذه الأهزوجة, فضحك للمفارقة, وشاركهم الدبكة! كان الملك الراحل يدرك, بحصافته, ان هؤلاء الفتيان كانوا فرحين بلقائه, وأرادوا تقديم أجمل ما عندهم من تحيات!
محبة مسقط الرأس والتعصب للبلد, يقعان في باب الانتماء للمكان. وهو أحد ضروب الوعي الشعبي - الوطني. وبالنسبة لي, فقد طوّرتُ ما ورثته من تعصب سلطي الى تعصب مُحب للأردن كله. وقد كتبت اجمل نصوصي حول المكان في عشق الكرك, ولامستُ »الرؤية« الكونية في اليرموك. وأحسب ان هذا التقليد متجذر في الحركة الوطنية الاردنية منذ »نمر العدوان« و»عرار«, بل انني أرى في اختيار الشهيد وصفي التل, الكمالية على مدخل السلط, مقاما ومثوى, دلالة رمزية على الانتماء للعاصمة الروحية للأردن.
وهل يريد ابناء السلط, أعلى من ذلك تقديرا لمدينتهم ومركزيتها في الوطنية الاردنية؟
لقد آن الأوان كي تلعب نزعة حب السلط, دورا طليعيا في بناء نزعة حب الاردن, وتقديم الانموذج المحلي لتجاوز العشائرية وتطوير الحياة السياسية والثقافية ومستوى الحياة ومعايير الجمال العمراني والبيئي والسلوكي.