هل يحكم الرزاز بما أنزل الله؟!
أحمد فهيم
22-07-2018 04:07 PM
ترددت على نطاق عميق مؤخرا أصداء التصريح الصادر عن سعود أبو محفوظ القيادي في كتلة الإصلاح البرلمانية، والذي نقل فيه على لسان رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز بأنه (أي الرزاز) ليس علمانيا ولا يؤمن بفصل الدين عن الدولة، ثم أعقب ذلك عشرون شرطا للكتلة ذاتها كي تمنح الثقة للحكومة، وفي المحصلة حجب أعضاؤها الثقة عن الرزاز وفريقه الوزاري، ونجحوا (عن قصد أو غير قصد) في تأليب بعض المحسوبين حتى على تياره السياسي من أنصار الدولة المدنية الذين قادهم التعصب الأيديولوجي لحجب الثقة عن كبيرهم.
ولعل المتفحص بالدراسة والتحليل للمباحثات والنقاشات التي دارت بين الحكومة وكتلة الإصلاح في تلك الفترة، يجد أن الرزاز مارس ما يشبه (التقية السياسية) حين زعم أنه ليس علماني الفكر والنهج، لكنه لم يفعل ذلك استرضاءً لهؤلاء النواب ولا طمعا في أصواتهم، بل فعله تماشيا مع المادة الثانية من الدستور الأردني والتي تعتبر الإسلام دين الدولة، وهو ما يعني أولا أن للدولة دينا أي أنها ليست شيوعية أو علمانية، وثانيا أن دينها هو الإسلام، والهاء في دينها تعود على الدولة وليس على الأكثرية الشعبية مثلا أو على رأس نظام الحكم فقط، بل على كافة المكونات المرجعية، فضلا عن أن العائلة الهاشمية تستمد جزءا كبيرا من شرعيتها على الولاية الدينية التي تتمسك بها حتى اللحظة بدليل وصايتها في القدس المحتلة، وهم (أي الهاشميين) كانوا سدنة البيت العتيق وأشراف الحجاز، وهيهات يرتضون فصل الدين عن الدولة فصلا تاما أو معلنا، وقد قالها صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني في أحد اللقاءات مع أبنائه الطلبة في الجامعة الأردنية مطلع العام الحالي حين لفت إلى أنه مع تحديد الوجهة الفكرية للأحزاب، مؤكدا أنه شخصيا يتبنى الطرح اليميني في قضية الدفاع، واليساري في قضية التعليم، كما قال جلالته في لقاءات سابقة جمعته بشخصيات يسارية أنه يساري في الصحة والتعليم والبيئة ويميني فيما يتعلق بالجيش والأمن، وإن هذه التصريحات الملكية تعزز في المحصلة نهج التعددية التي لا تجدي معها نفعا سيطرة تيار أو لون واحد على الطيف السياسي الأردني.
وبالنظر إلى سيطرة التيارات الوطنية (الدولة العميقة) التي تنتمي لما يسمى مجازا (الحرس القديم) على زمام السلطات في البلاد لعقود خلت، وعلى نحو لا يخدم كثيرا مدنية الدولة وسيادة القانون ويقترب من المشيخات ونظام المحاصصات القبلية أو الجهوية، فإنه كان من الأجدى بالحركة الإسلامية أن تشجع أول تجربة من خارج الصندوق أعلاه عبر منح الثقة لهذه الحكومة، لأن نجاح رئيسها القادم من خارج النادي التقليدي للسلطة، يمهد الطريق لأي تيارات (مؤدلجة) سواء أكانت يمينية إسلامية أو يسارية علمانية للمشاركة في تولي السلطة التنفيذية خلال المستقبل القريب بدلا من سيطرة لون واحد، ناهيك عن أن موقف الكتلة لا يخدم مبدأ تشكيل حكومات برلمانية في المستقبل، إذ يستوجب ذلك بالضرورة وجود تعددية حزبية وحركة فاعلة للمشارب الفكرية المتنوعة يمينا ويسارا ووسطا.
وكما أن موقف كتلة الإصلاح من حكومة الرزاز غير مجد سياسيا فإنه لا يخدم أيضا المغزى الديني، إذ أنه يتعارض مع الإصلاحات والمراجعات الجديدة لنهج الحركة، والتي استفادت خلالها من التجربة الغنوشية والأردوغانية، فظهر في قائمتها وفق النهج الجديد خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة مسيحيون ونجح بها شخص كان محسوبا على نظام علماني هو النظام السوري، هذا النظام الذي تحول فيما بعد إلى ثيوقراط شيعي على طريقة ملالي طهران لأجل عيون الحلفاء ولأجل البقاء على كرسي الحكم، والأهم من ذلك أن جميع الأنظمة العربية والإسلامية هي أنظمة علمانية من الناحية التطبيقية فما (أسكر كثيره فقليله حرام) ولكي تكون دولة إسلامية بالمعنى الأصولي فعليك أن تحكم بما أنزل الله في كل شيء وليس فقط في الزواج والطلاق وأحيانا في المواريث.