فتحي عبد السميع: مستقبل الشعر أكبر من حاضره
20-07-2018 06:34 PM
عمون - لا يعتقد الشاعر المصري فتحي عبد السميع أن الشعر مجرد عمل إبداعي يمارسه، بل هو الحياة بكل ما فيها من تجليات، فهو يحيا للشعر وبالشعر يكتبه ويكتب عنه ويتنفسه كما يتنفس الهواء.
قدم عبد السميع لديوان الشعر العربي العديد من المجموعات الشعرية من بينها "تقطيبة المحارب"، "خازنة الماء"، "الخيط في يدي"، "تمثال رملي"، "الموتى يقفزون من النافذة"، و"أحد عشر ظلاً لحجر"، بالإضافة إلى كتابه النقدي "الجميلة والمقدس"، وكتاب السيرة الذاتية "الشاعر والطفل والحجر".
هذا الحوار مع صاحب كتاب "القربان البديل" الذي حصل به على جائزة الدولة التشجيعية، للتعرف أكثر على مشروعه الأدبي، وملامح رؤيته للشعر.
هل ترى أن تجربة كتابك "الشاعر والطفل والحجر" تعد انتصاراً للشعر؟
حياتي كلها كانت دفاعاً قوياً عن الشعر والقيم التي يمثلها، وأعتقد أن كتابي كان انتصاراً كبيراً للشعر، لماذا؟ لأنه خلاصة ثلاثين عاماً من السعي لاكتشاف الشعر وقيمته، ولأن الكتاب يفند الكثير من الأوهام، والأكاذيب والسلبيات التي ارتبطت بالشعر، ويكشف عن قيمته العالية، والأدوار الكثيرة التي يمكن أن يلعبها، وعمق علاقته بالمسيرة الإنسانية، وكل ذلك من خلال تجربة وأسئلة خاصة، لا من خلال الاعتماد على كتابات سابقة، وقد استفدت كثيراً من اهتماماتي بالأنثروبولوجيا وأنا أنظر للشعر، وأعتقد أنني ذهبت إلى مناطق لم يذهب إليها أحد من قبل، كما هو الحال في ربط الشعر بالغريزة.
لماذا اخترت الشعر.. وكيف كانت البداية؟
لا أعرف سبباً محدداً أو وحيداً، ربما لأني نشأت في الصعيد وكان الشعر هو الفن الوحيد المتاح كهواية، فهو لا يكلف شيئاً، وهو حاضر في حياتنا اليومية من خلال السيرة الهلالية، وسهرات المنشدين، وأغاني العمل، وبكاء الجنائز، وأعتقد أن من الطبيعي جداً أن يود الإنسان كتابة الشعر في بداية حياته، وأظن أننا جميعاً نعرف تلك الرغبة، لكن البعض يتمسك بها، والبعض يتركها تمضي، وقد تمسكت بها في البداية، ربما لأنها كانت الوسيلة المتاحة للتعبير عن الذات، لكن مع استمرار مسيرتي اكتشفت معنى الشعر بشكل أكبر وأعمق، أي أن سبب اختياري للشعر لم يكن في البداية فقط، بل كان يتجدد ويتغير أثناء الطريق، حيث تظهر أسباب أقوى وأعمق.
أعلنت انتماءك لقصيدة النثر.. ما أسباب ذلك؟
لأن الموقف الطبيعي هو الانتماء للمتطور، والتفاعل مع الجديد، والحفاوة بالحرية التي تمكننا من اصطياد الطاقة الشعرية الموجودة في العالم بشكل أكبر وأعمق، وتُمَكن الشاعر من طرح خصوصيته التي تعتبر من أهم عناصر الشعر الجوهرية.
ما رأيك فيمن لا يعترف بقصيدة النثر حتى الآن ولا يعتبرها شعراً؟
من لا يعترف بالشعر الجديد لأنه يخلو من البحور الشعرية لا توجد لديه مبررات يمكن مناقشتها، بل ينطلق من موقف جامد لم ينفتح على الواقع، واكتفى بصورة أسلافنا القدامى عن الشعر، وهي صورة مرتبطة بعصرهم لا بالشعر، وهي بالمناسبة أكثر اتساعاً من نظرة الرافضين للشعر الجديد.
كيف ترى تأثير الأجناس الأدبية في "قصيدة النثر"؟
قوي ومطلوب، لأن الشاعر صار أكثر انفتاحاً على الفنون بشكل عام، والأنواع الأدبية ليست جزراً معزولة، فالقصة والرواية والشعر أشقاء، كلهم من أم وأب واحد.
هل أصبح الشعر في غرفة الإنعاش كما يدعي البعض في ظل الجماهيرية الكبيرة للرواية؟
الشعر يعاني من صعوبات كثيرة، أهمها الجهل بقيمته وطبيعته وكيفية التعامل معه، وهو يُحارب إعلامياً عن طريق حرمانه من المساحة التي تجعله يتنفس، وهو يُحارب أيضاً من خلال المناهج الدراسية التي تقدم للطلاب صورة ضعيفة ومشوهة عن الشعر تبقى معهم إلى الأبد، وهو محارب من خلال البعد المادي المهيمن على الناس وتعميق توجههم للتسلية والحياة السطحية، وكل ذلك يؤثر على الشعر وعلى الرواية أيضاً، والجماهيرية في الحقيقة لا ترتبط بالروايات العظيمة، الجماهيرية الأكبر مازالت للنصوص الشعرية البائسة التي نجدها في الأغنيات الرائجة، لكن مستقبل الشعر أكبر من حاضره رغم تلك المعاناة، لماذا؟ لأن البشرية تحتاج إليه كما وضحت في كتابي، وما نحتاج إليه قد نهمله فترة لكننا نرجع إليه.
في كتابك "القربان البديل" تناولت طقوس المصالحات الثأرية في جنوب مصر.. ما هي دوافعك لتناول هذا الموضوع الشائك؟
الدوافع كثيرة، فالموضوع ثري جداً على المستوى المعرفي، أو الثقافي، ولم يتناوله أحد من قبل، وهو مهم لأنه يرتبط بفن التسامح أهم الفنون التي نحتاج إليها الآن، ومهم لأنه يرتبط بظاهرة أليمة يعاني من ويلاتها صعيد مصر، وهي ظاهرة الثأر القبلي أو العرفي.
كيف ترى حصولك على جائزة الدولة التشجيعية في مجال العلوم الاجتماعية وليس الشعر؟
حصولي على جائزة الدولة في العلوم الاجتماعية كان مفاجأة، لأنه كان عن كتابي الأول في هذا المجال، وأنا لم أتقدم للجائزة أساساً، بسبب يأسي من نزاهة لجنة الشعر، لأنني كنت أستحقها في الشعر من سنوات طويلة جداً، وقد تجاوزتني وتجاوزت شعراء آخرين لأسباب لا علاقة لها بالشعر.
برأيك.. هل هناك تقصير من نقاد الشعر تجاه التجارب الشعرية الجادة؟
نعم، نقد الشعر ضعيف جداً، ولا يتناسب مع الحركة الشعرية، بسبب صعوبة الكتابة عن الشعر، وصغر المساحة الإعلامية الممنوحة لنقد الشعر، وضعف العائد من كتابة دراسة نقدية عن ديوان، رغم أنها تحتاج إلى أيام وأسابيع، وابتعاد معظم أساتذة الجامعات عن مواجهة التجارب الجديدة، باستثناء مجموعة قليلة للغاية تتحمل أعباء أكبر من طاقتها، والقسم الأكبر من الأساتذة يوجهون الطلاب والرسائل العلمية نحو الشعر القديم.
هل لديك تجربة أدبية جديدة تعمل عليها الآن؟ وما ملامحها؟
أنشغل الآن باستكمال ومراجعة بقية أعمالي عن ظاهرة الثأر في الصعيد، وهي عبارة عن أربعة كتب، أتمنى الانتهاء من نشرها قريباً.