يبدو أنّ "لعنة المصطلحات" تطارد حكومة د. الرزاز منذ اليوم الأول، فأصبح همّ النخب التقليدية والمحافظة العمل على "شيطنة" مصطلح العقد الاجتماعي وكأنّه رجس من عمل الشيطان وعنوان للتآمر على "الوطنية الأردنية".
ثم خرج بعض أعضاء كتلة الإصلاح المرتبطة بجبهة العمل الإسلامي من لقاء الرئيس يبشرون في الإعلام بأنّه -أي الرزاز- أكّد لهم أنّه ليس علمانياً ولا يؤمن بفصل الدين عن الدولة، وكأنّ هاني الملقي وعبدالله النسور كانا آيتي الله في الأردن، وفقيهي المذهب الشافعي أو الحنبلي، بينما الرزاز جاء مشكوكاً في إسلامه، حتى أعلن البراءة من "العلمانية"، كما يفهم بعض أعضاء نواب الإخوان، الذين حاولوا تسجيل نصر وهمي خادع، لا قيمة سياسية أو ثقافية له!
والله وددتُ لو أسأل النواب الأفاضل عن تعريف العلمانية من وجهة نظرهم؟! وما هو البديل عنها "دولة إسلامية" وما هو تعريف الدولة الإسلامية؟! وفيما إذا كانوا يعتبرون أردوغان مثلاً علمانياً أم إسلامياً، وهو بالمناسبة يصرّح جهاراً نهاراً بأنّه علماني محافظ وحزبه كذلك!
لماذا لم يُطرح هذا السؤال على النسور أو الملقي وقبلهما آخرين، هل لأنّهم كانوا مثلاً إسلاميين، أم ماذا؟! لا أفهم معنى هذه الأسئلة والنقاشات والحوارات خارج الإطار؟ كم مصطلحا وكم مفهوما للعلمانية، كم كتابا قرأ بعضهم عن العلمانية وتطوّرها وتياراتها ومفكريها؟ وكم كتابا قرؤوا في الفقه السياسي الإسلامي وفي الفكر الإسلامي، حتى نجد أنفسنا بكل صراحة أمام أسئلة سطحية ساذجة اضطر رئيس الوزراء للإجابة عنها، فقط لإبعاد "شبح الشيطنة" عنه وعن حكومته!
إلى متى ستبقى الصور النمطية والانطباعات والاتهامات هي التي تحرّك النخب السياسية في وطننا وفي بلادنا، وليس التفكير السياسي السليم العلمي؟! ولماذا لم يستفسر "التيار الوطني" مثلاً من رئيس الوزراء عن موقفه من صفقة القرن؟ فيما لو كانت حكومته تتمّة للصفقة وإنجازاً لمشروع "تفكيك الدولة الوطنية"، وما هو تعريف الوطنية -بالمناسبة- هل هو التيار الذي يؤمن بأنّ كل من تجنّس بعد عام ألف وتسعمائة وخشبة ليس أردنياً؟! وأن كل من يدعو إلى إصلاحات حقيقية من أجل النهوض والتغيير والإنجاز من تيار التآمر على الهوية الوطنية؟!
كتب عبد الوهاب المسيري عن العلمانية كتاباً عميقاً وميّز بين مستويات، فعن أيّ علمانية يتحدث النواب الإسلاميون الأفاضل؟ وكتب نادر هاشمي كتاباً مهماً عن الإسلام والعلمانية والليبرالية الديمقراطية، وكتب فهمي جدعان، المفكر الأردني، كتاباً رائعاً بعنوان "الخلاص النهائي"، وكتب عبد الإله بلقزيز عن نماذج الدولة الإسلامية لدى التيارات الإسلامية وتحدث عن العديد من النماذج المتناقضة حتى على صعيد التيار الإسلامي.
بالمناسبة كتابي الأخير مع د. نفين بندقجي بعنوان "من الخلافة إلى الدولة المدنية: الإسلاميون الشباب في الأردن وتحولات الربيع العربي" نرصد فيه حجم التحوّل الذي حدث لدى شباب الإخوان والإخوان السابقين في مفهوم الدولة الإسلامية، والمراجعات التي قام بها شيوخهم مثل رحيل غرايبة وزكي بني ارشيد وقبلهما سالم الفلاحات في تصوراتهم وأفكارهم السياسية.
أذكر عندما ظهر حزب العدالة والتنمية في تركيا في العام 2001 أنّ بعض قيادات الإخوان حينها كفّروا الرجل، وشنّوا عليه حملة عرمرمية، وشيطنوه واتهموه بأنّه عميل للصهيونية وعلماني كافر، وهم اليوم يدافعون عنه أكثر مما يدافعون عن حسن البنا!
ما أريد قوله ليس فقط على صعيد قصة العلمانية والرزاز، بل حتى موضوع العقد الاجتماعي والحرب المعلنة على الحكومة أنّ لدينا مشكلة كبيرة في المفاهيم والمصطلحات والتعميمات والتقييم والمواقف!
الغد