مائة يوم؟! ما عسى الرزاز أن يفعل في مائة يوم؟! وضعت نفسي مكان الرئيس وفكرت ووصلت الى نتيجة سأذكرها بعد قليل، وهذا بافتراض أن الرئيس سيحصل على ثقة مجلس النواب في تصويت أمس الذي نكتب المقال ولم يكن قد بدأ بعد.
الأيام المائة الأولى هي سنّة بدأها مركز دراسات الجامعة الأردنية باستطلاع الثقة بالحكومة بعد مائة يوم على تشكيلها، وبالنسبة للرزاز جاءت من احتجاجات الرابع التي حققت مطلبها بإطاحة الحكومة السابقة ولم يكن أمامها، وقد جاء رئيس "من خارج العلبة"، سوى إعطائه فرصة لتغيير النهج وفق ما طالب به المتظاهرون في العاصمة والمحافظات، وقد حصلت تجاذبات حادة في الاحتجاجات انتهت بالتوافق على وقف الاعتصامات مؤقتا وإعطاء الحكومة "عطوة" مائة يوم لإثبات التزامها بالتغيير. والرئيس نفسه وافق على هذه المهلة ووضع ضمن خطابه للثقة أمام النواب برنامجا تنفيذيا لأول مائة يوم. ورغم الخطابات القاسية، فقد كان هناك أغلبية من النواب ترى ضرورة منح الرئيس فرصة، بل إن بعضهم رأى أن الفترة قليلة واقعيا واقترح مدّها الى مائتي يوم.
المهم أن مهلة المائة يوم تحولت الى مسألة جديّة للغاية بالنسبة لهذه الحكومة بالذات لأن الرأي العام نفد صبره مع الحكومات المتعاقبة ويريد أن يرى التزاما حقيقيا بالتغيير، ينعكس على حياة الناس! هل يمكن أن نرى تغييرا في مستوى معيشة الناس وفي الخدمات وفي الأداء العام خلال مائة يوم؟ هذا مستحيل وسوف يجد الناس أنفسهم بعد مائة يوم من دون جديد يذكر وسينسون بعض الإجراءات الجيدة في إطار المشهد الكلي الذي لا يتغير، وستجد الحكومة نفسها مضطرة لتقديم التبريرات وتكرار الوعود نفسها التي قدمتها الحكومات السابقة، وفي مقدمتها أن انعكاس سياساتها على مستوى معيشة الشعب يحتاج الى وقت، وكل حكومة سابقة كانت تقول إنها تعمل على رفع نسب النمو لرفع مستوى معيشة الشعب، لكن ذلك يحتاج الى سنوات وليس من سياسة الحكومة إجراءات سريعة لكسب الشعبية على حساب المستقبل والأجيال المقبلة، وهذا التنظير لم يعد مقبولا، ناهيك أن هدف رفع نسب النمو لم يتحقق أبدا.
كان لافتا تركيز كلمات الكثير من النواب على موضوع الولاية العامة للحكومة ولسان حالهم يقول ما جدوى منح الثقة للحكومة على أساس برنامج ورؤية إن لم تكن صاحبة قرار حقيقي على الشأن العام. وبذا أصبح تسليف الثقة جزءا من إعطاء الحكومة فرصة لإثبات ولايتها العامة، وبالمناسبة فإن الولاية العامة كانت شعارا رئيسيا للاحتجاجات، وهنا أيضا يطرح السؤال نفسه، كيف تثبت الحكومة للجمهور في نهاية الأيام المائة أنها تضطلع فعلا بالولاية العامّة في مجتمع تتناهبه الإشاعات وصوت الحكومة هو الأضعف على وسائل التواصل الاجتماعي. والشائع (الى درجة اعتباره حقيقة لا جدال فيها) أن الرئيس لم يكن حرا بالكامل في تشكيل حكومته. وقد حاول الرئيس معالجة الموقف بالقول إن لديه ضوءا أخضر بتغيير من يشاء من الوزراء بعد امتحانهم في أول مائة يوم، وعليه يكاد يكون ملزما للرئيس أن يقوم بتعديل واسع ولو قبل يوم واحد من نهاية المهلة للتقييم؛ حيث يقدم الحدث الطازج (التعديل) بوصفه المؤشر الأكبر على الولاية العامة.
التعديل سيضرب عصافير عدة بحجر واحد؛ الأول هو ما ذكرناه آنفا، والباقي يتصل بتصويب ما رآه كثيرون خطأ في التشكيل الأول والتشريع لتمديد الفرصة التي منحها النواب والشعب، وقد أظهر الرئيس الإرادة والقدرة على تصويب أوجه القصور التي كان يرصدها ولم تغمض عينه عنها خلال مائة يوم.
الغد