نحتاج الى عقد اجتماعي أم إلى عقد أخلاقي ؟ يتساءل الصديق د. محمد ابو رمان، ثم يجيب :» غياب الأخلاق عن حواراتنا ونقاشاتنا وتجاوز «الخطوط الحمراء» الأخلاقية أخطر بكثير من السياسية، وهو ما أصبحنا نلحظه على أكثر من صعيد، سواء على صعيد نقاشات السوشال ميديا أو المواقف المتباينة بين الأطراف والقوى السياسية المختلفة».
لماذا حدث ذلك ؟ هل المشكله في الناس ام في النخب التي تدير الحوارات على وسائل الاعلام وفي الصالونات السياسية والمنابر ؟ام في المناخات العامة التي افرزت من الناس اسوأ ما فيهم.
ثم، من يتحمل مسؤولية هذا الفساد الاخلاقي، أهي السياسة بكل ما انتجته من نماذج ومقررات ومناخات؟ أهو «التدين» المغشوش الذي اختزل «الخلاص» في الفرد والدين في الطقوس التي تحولت الى مجرد عادات والمقاصد العليا للشريعة في «ابواب» الحلال والحرام فقط؟ ام ان ثمة «فاعلين» اخرين تسربوا الى حقولنا الاجتماعية فأفسدوا منظومة التعليم والاقتصاد وقيم العلم والعمل واذواق الناس وافسدوا بالتالي حياتنا العامة وليصبح هذا الجيل «فسخا» تتحكم فيه غرائزه، وتسيّره المراسيم الجاهزة بدل التعاليم السامية؟
تحتاج المسألة الى بحث عميق، لكنني اشير الى نقطة مركزية اعتقد انها ساهمت في بروز هذه الظاهرة، وهي تتعلق بطبقة «انصاف المتعلمين»،هؤلاء»الانصاف» الذين يمارسون ارهابا ضد المثقفين والاميين على السواء، وهم يسيطرون الآن على خطابنا العام ويطبعونه بطابعهم،ويتناسلون بيننا ويشهرون علينا سيوف المعرفة المغشوشة والحكمة المتأخرة.
المسألة - بالطبع - لا تتعلق فقط بالخطاب السياسي وانصاف المتعلمين الذين سيطروا عليه، وانما تتعلق بالخطاب الديني والثقافي والاجتماعي هذه المجالات ايضا تراجعت للاسف، واصبح «الانصاف» هؤلاء يتحكمون بها ويحركونها في اي اتجاه يريدون..
مع غياب «الاخلاق» والانشغال بالمباني على حساب المعاني والقيم ظهرت نخب «انصاف»المتعلمين، ونخب «الكسب السريع» ونخب «نجوم الشاشات» فتراجعت قيم النظافة والاستقامة وتكسرت منظومة الحياء العام وتغير مزاج الناس، واختلطت معايير الاحكام وموازين الافكار، وبذلك لم يعد المجتمع يعاني من حالة «التسفل» التي اشار اليها الافغاني حين ربط انهيار الاخلاق بالاستبداد، وانما يعاني -بوصف احد الباحثين النفسيين - من حالة «انحدار» جنوني لا يمكن تفسيره او فهمه.
ربما تكون ايضاً «حالة» النفاق العام التي سيطرت على مجتمعاتنا، سواء في مجالات التدين او الثقافة او السياسة، مسؤولة عن هذا التدهور، والنفاق هذا لم يعد مقتصراً على علاقة الناس ببعضهم، كوسيلة للكسب والترقي المادي والاجتماعي، وانما أصبح يطبع علاقة الناس بخالقهم، وهذا اسوا ما يمكن ان يحدث على صعيد «الامراض» التي تصيب الاخلاق، وتفقدها أبسط ادوارها المناعية او الرقابية.
الدستور