النخبوي والمثقف وما بينهما
د. عاكف الزعبي
19-07-2018 01:25 PM
ثمة فرق بين النخبوي والمثقف وان التقيا في بعض الصفات . ما يفرق بينهما ينفي حالة التطابق بين الاثنين . فليس كل نخبوي مثقفاً بالضرورة ولا كل مثقف نخبوياً بالضرورة ايضاً .
النخبوي هو من تميز باشتباكه مع الحياة العامه بصورة جعلته مؤثراً في مجتمعه سواء من موقع اجتماعي ، أو مركز رسمي ، او أداء مهني ، او تفوق علمي ، او حضور فني ، أو ما شابه من حالات كثيره .
القائد المحلي الشعبي يعتبر من النخبه ، والمسؤول الرسمي كذلك ، ومثله رجل الاعمال الناجح ، والاعلامي ، والعالم ، والباحث والاديب روائياً كان ام قاصاً ام شاعراً ، والفنان ممثلاً أو موسيقاراً او مطرباً او رساماً او نحاتاً أو مخرجاً .
أما المثقف فهو من تميز بنظرته فكراً وبموقفه سلوكاً وبادائه اشتباكاً تفاعلياً مؤثراً في الحياة العامه . فلا بدّ له أولاً من امتلاك موقف فكري على قاعدة فلسفيه يكون دليله لنظرته للحياة والمجتمع والعمل العام ، وللقيم التي يؤمن بها لنفسه ولمجتمعه وللعوالم الاوسع ، وان يتطابق سلوكه مع فكره النظري ثانياً ، ثم ان يمارس الاشتباك مع الحياة العامه للمجتمع بصورة مؤثره ثالثاً .
صفة واحدة تجمع بين النخبوي والمثقف هي اشتباك كل منهما مع الحياة العامة في المجتمع . فلا يكون نخبوياً او مثقفاً من لم يشتبك مع الحياة العامه للمجتمع ويكون جزءاً من صورتها والتفاعل المتبادل معها .
صفات عديدة تفرّق بين النخبوي والمثقف . الفكر الفلسفي الذي يختص به المثقف ويميزه وهو مالا يتوافر دوماً للنخبوي ، والتزام المثقف بسلوك مطابق لرأيه والقيم التي يؤمن بها وهو مالا يتمتع به النخبوي الذي تتمدد البراغماتية لديه لتطال بعض ارائه المعلنه وبعض ثوابته اذا لزم الامر .
يجتمع النخبوي والمثقف في شخص معاً عند امتلاكه لفكر فلسفي مؤطر لمنظومة القيم التي يؤمن بها ، وتنحسر البراغماتية لديه الى حدها الادنى ، ويتسع تأثيره في الحياة العامه ، وهو قلما يحدث فالنخبوي سياسي بامتياز والمثقف صاحب مبدأ اولاً .
تحالف النخبة والمثقفين عامل حاسم في توعية المجتمع والاصلاح وسيادة المصلحة العامه . ودافع في الوقت نفسه للسلطة الحاكمة لتطوير الحياة العامة والالتزام بالعقد الاجتماعي وتعزيز دور المجتمع في المشاركة العامة واضفاء الشرعية على سلطة الحكم . والطريق العملي لتحقيق هذا التحالف يتم عبر العمل العام المؤطر بمؤسسات مدنية وفي مقدمتها المؤسسات السياسية والاجتماعيه .
العامي هو المنقطع لخصوصيته وعمله وامور معيشية ، ولا يتفاعل مع الحياة العامه . قد يكون متعلماً لكنه ليس مثقفاً ولا نخبوياً ان تدخل في الحياة العامة مستفسراً ومتسائلاً ومقترحاً وناخباً قام بدوه في الحياة العامة كمواطن ، وهو حق له وواجب عليه كذلك . لكن ان تنطع لدور النخبوي والمثقف يصبح باعثاً لاختلال الحياة العامه .
وهذا شائع في الدول النامية والمتخلفة حيث لم تستقر بها الادوار بعد ولم تأخذ مؤسسات المجتمع المدني الدور الذي يجب ان تأخذه فيها .