ما تم ويتم في مجلس النواب من تعامل النواب المهني والراقي مع الحكومة الجديدة بالنصح , والتوضيح والدعم المشروط , والاسلوب المحترم الذي ابدته الحكومة مع كلمات النواب , من الاستماع الكامل والاهتمام , وتسجيل كل الملاحظات , والحضور الشامل والمتميز للرئيس والفريق الوزاري , والاستجابة الفورية لبعض الملاحظات المستعجلة , يؤشر إلى وجود صفحة جديدة سنشاهدها انشاء الله في طبيعة العلاقة بين النواب والحكومة, واسلوب جديد في تحقيق الاهداف بالاداء المتميز, وهو الذي يتطلع اليه المواطن الذي ينتظر أي لحظة فرج . ورغم خروج بعض النواب عن النهج المنطقي في مضامين الحديث إلا أن التعامل مع هذا الموقف كان في غاية المسؤولية ونجاعة التدارك.
إن اساس الصفحة الجديدة التي ننشد يجب ان تحتوي مضامين ورؤيا النواب للحكومة الجديدة والدرس الواضح الذي استفادوه من احتجاجات الدوار الرابع . وطبيعة الدورالاساسي للنواب الذي كاد أن يسحب البساط من تحته , ادرك منظري النواب أن عدم قيام المجلس بدوره يشجع المواطنين التفكير بالبدائل وهي متاحة , حيث لا ينتظر المواطن في مثل هذه الضائقة اكثر من الفرص التي منحها له دون فائدة ليسلخ من نفسه نوابه , وينظر لمصلحته ومستقبله؟
مضامين السادة النواب كانت واضحة في سقفها التشريعي الرقابي , وببعدها السياسي والوطني , وبطرح معقول ومنطقي انسجم تماما مع مطالب واحراك الفكر لدى المواطن الاردني . لم نشهد مطالب وخدمات إلا ما ندر , لم نشاهد العشائرية ولا المناطقية إلا يسر , لم نشاهد السرد الممل للمطالب والحاجات , ولم نلمس النقد لمجرد النقد بل شاهدنا رسائل مهمة وموضوعات ملحة وقضايا في صميم الهم الاردني الذي يحتاج لمعالجة.
خطابات النواب شرحت المشهد الاردني , وكشفت القوى التي تلعب دورا مهما في الحياة العامة , والتي قد تؤثر في آداء الحكومة وتوجه جهدها ونشاطها وتوجهها لما لا يرضى الشارع , فالنواب اشاروا الى اصحاب المصالح والى بلطجية الاستثمار والمستثمرين , والى الفساد والفاسدين , والى العدالة والمساواه , ومنحوا الرئيس طاقة متجددة للبدء باستحضار الفاسدين ومحاكمتهم , باعتبار هذا الملف هو هم وشغل الاردنيين الشاغل وهو المعيار الاهم على جدية الحكومات للتعامل مع الشأن الاقتصادي في الاردن.
وقد تبين أن النواب يثقون في دولة الرزاز كشخص نظيف علمي استراتيجي ,وفي نائبه كخبرة اقتصادية عريقة وملف نظيف وثقة متفاوته بأعضاء الفريق الوزاري . ثقة النواب بالرئيس ونائبه بفتح ملفات الفساد كبيرة لكن يدرك النواب ان الرئيس الجديد يحتاج الى سند وظهر وحماية للانطلاق بفتح الملفات والدخول قي عش الدبابير , لهذا نجد العديد من النواب يخاطبون الرئيس ويعلنون وقوفهم إلى جانبه , ما دامه ينتصر بفتح الملفات الساخنة.
والتعامل الواضح والصريح مع كل المنظومة الاقتصادية والتنسيق مع النواب , فالمطالبات خفت , والمناطقية اضمحلت , والمحاصصة انكمشت , وبقي القاسم المشترك هو الوطن والخروج من الازمة بالتخطيط السليم وإزالة المطبات , ومعالجة الاخلالات التي فصلها النواب بلك نواحي النظام الاردني الشامل سياسيا واقتصاديا وأجتماعيا ..اخ.
ان ظهور بعض المنغصات وبالونات الاختبار التي يطلقها البعض للتشويش على العلاقة بين النواب والحكومة كمفهوم العقد الاجتماعي , والاساءة للعشائرية , او التلاعب بتفسير بعض الاخبار وغيرها من موضوعات ظهرت , ووجهت بقسوة من النواب الذين ادركوا مصدرها وغايتها , فتناساها البعض ’ وتجاوزها البعض الاخر, في حين حذر منها عدد من النواب شعروا انهم في مطب آخر.
الحكومة ستنال الثقة ولكن بنسبة ليست كبيرة , وهي النسبة التي يجب أن تكون لتعكس الحياة الصحية للعملية الديمقراطية عاكسة بذلك قناعات النواب وتعددها.
المشكلة للحكومة ليست الثقة , بل تكمن فيما بعد الثقة , وطبيعة ومستوى الانطلاقة التي يجب ان تكون دقيقة ومبرمجة وبمؤشرات أداء واضحة ومعلنة , وهنا يجب على الحكومة أن تتقن فن استخدام الاعلام و التوعية لتعبر عن نفسها وعن انجازاتها وشفافيتها ومصارحتها للناس بالتنفيذ وامام المعوقات , فاقصر المسافة بين نقطتين هو الخط المستقيم , نتمنى لمجلس النواب والوزراء التوفيق في هذا المشهد لكبير , عرس الديمقراطية الوطني.