يا حكاية لم تبدأ، ووداعاً لم يَحِن بعد... معظم الصامتين لا يلجؤون لأحد في حزنهم، لصمتهم ضجيج يطحن عظام صدورهم لكنهم يتداوون ذاتيا، يتوارون.. يتعلمون من أخطائهم، خانتهم الكلمات يوماً فتحصّنوا بالصمت وتدرعّوا بردائه ليتعلموا الدروس ويأخذوا العبر من أخطائهم البريئة فيزدادوا علماً، انهم يدفعون ثمن طيبتهم ويدفعون ثمن غباء ونكران غيرهم أحيانا كثيرة ..
لم تكن الصعوبة لديهم في الخطوة الأولى، ففي الخطوة الأولى تكون أساليب الاحتيال مبهرة والتمثيل بارع والخزائن ممتلئة بالخيال، والأفكار والقصص المدبلجة لإبهار الخصم بتاريخ مرصّع بالكذب ... المنتصف هو البلاء العظيم هنا لا تعرف إن كان لديك القوة والعزم لتصعد ما بقي من درجات السلم، أو أن تنسى كل محاولاتك للصعود وتنزل معلنا نهاية اللعبة!
الطيبون... حاسّتهم العاشرة وشعورهم بوجوب الاعتزال ورغبتهم بالصمت وتراجعهم عن الكلام، حتى ايماءة الرأس تصبح ثقيلة عليهم .. كل هذا وذاك لم يوجد عبثاً انهم أناس كانوا أرقّ من صفحة الماء، لكنهم تأمّلوا الغباء من حولهم ولم يفعلوا مثله، فأصبحوا حكماء صامتين، أناس لم يبالوا بما يخطط له الخبثاء الذين فقدوا بريقهم من أول تجربة قياس، وعاشوا على قيد الغفلة بأكاذيب تصبغ شخصيتهم وعباءات من الكبرياء مهترئة تستر كراهيتهم. أناس أغبياء يبتلعون السموم أملاً في أن يموت غيرهم.
الطيبون عندما يتألمون يصمتون، يدعون الحبرَ يتكلمُ عنهم على صفحات من فضّة ... فهذا الزمان ليس زمانهم، والاشياء من حولهم لم تعد تشبههم البتّة، يشعرون بأن كلماتهم لا تصل، وأن مدن أحلامهم ما عادت تتسع، قلوبهم مظلومة لأنها دائما مشرعة الأبواب وجاهزة لتلقي الصدمات.... بلغ بهم الألم مداه فأصبحت لهم حياة بداخلهم تختلف تماما عن تلك التي نراهم فيها!
المجدُ لكم أيها الطيبون في زمن الكذب والخداع، أنتم المحكوم عليكم بالفهم الخاطئ، المتّهمون دوماً بالغرور لأنكم تصمتون ولا تلجؤون لأحد، أنتم الأعلون ولن يَتِرَكُم الله أعمالكم ولن يخذل صمتكم فالرياح التي تهبُّ لتحطيم أشرعتكم أهونُ عليها أن تشربَ ماء البحر!