أخذ الحديث عن العقد الإجتماعي، أردنياً، آفاقاً كثيرة برغم التوضيحات التي صدرت عن رئيس الحكومة الدكتور عمر الرزاز والتي أشار فيها إلى أن عنوان العقد الإجتماعي في حكومته يتعلق بجوانب الحقوق والواجبات.
بما يعني أنه شعار أو عنوان قابل للتطور في سياق الحالة الأردنية التي تأسس عقدها الإجتماعي مطلع القرن، والتي تستند إلى وثائق تعرب دلالاتها عن العقد الإجتماعي الأردني، ذو الخصوصية المستندة إلى خصوصية الحالة الأردنية.
إذ حملت مطالب مؤتمر أم قيس – مثالاً - المنعقد عام 1920م بين أهالي عجلون والمعتمد البريطاني سمرست شكلاً لما طالب فيه أهالي شرق الأردن، وتستطيع تلك الوثيقة مناقشة التأصيل الأردني، وحملت بنوداً عدة لبتها شرعية الحكم الهاشمي، ومشروعيته.
وفي سياق قراءة ما ورد في متنها " أن يكون على رأس الحكومة أمير عربي" و" أن يكون لهذه الحكومة مجلس عام لوحدة البلاد ويسن القوانين ويدير الشؤون الداخلية وينظم الميزانية" ونحوها من المواد التي تؤكد استقلالية البلاد.
وتشكلت امارة شرقي الأردن، بهذا الوعي العروبي، وحملت التجربة الأردنية شكلاً من أشكال الوعي بالذات لشكل الحكم الذي يريدونه.
إذ أن الملك الشهيد المؤسس – طيب الله ثراه – سعى لتأسيس إدارات عربية تنهي تركة ثقيلة من الحكم العثماني الذي ترك أثره على "كاهل " الناس بما فرضه عليهم من تجهيل وترك أمورهم على سائبة ومحاولة انتزاع الواجب منه ضريبةً وطاعة.
وتميز الأردن في فترة الإمارة، والأعوام الخمس الأولى من عمر المملكة، من سعي الملك لتحقيق رؤى أهل البلاد التي عبرت عنها مؤتمراتهم الوطنية، بتشريعه للقانون الأساسي (نواة الدستور)، ونجاحه – طيب الله ثراه – باستثناء الأردن من وعد بلفور وصك الإنتداب على فلسطين، في حركة أنقذت شرق الأردن من تبعات كان من الممكن أن تغير تاريخه، وبذلك ترجمت حقوق أهل البلاد، وترسخت مكانة الدولة الشابة في نفوس الأردنيين.
كما أن معارضته – طيب الله ثراه – للوجود البريطاني، وهو الذي أدرك مكانته كمجاهد عربي قديم ينتمي لزمن الثورة والنهضة، ودفاعه عن حقوق البلاد وحقها في التشريع كرست ما صبا إليه الأردنيون في عرائضهم ومطالبهم.
وهذه الفلسفة في الحكم أسست الوجه الشكل والملامح الأردنية التي ما زات لليوم بحاجة إلى قراءة وإدراك، لأنها باتت تقاليد راسخة في الحكم الهاشمي، وطورت من العقد الإجتماعي الأردني.
واليوم، والحديث يعود عن الحالة الأردنية، على ألسنة متعددة، فإن من الواجب أن نقرأ في سيرة تشكيل الأردن وتأكيد الثوابت والحديث بالمتغيرات.
والثوابت الأردنية المتحققة من مكتسبات للأردن، راسخة، وبالعودة إلى تصريح رئيس الحكومة وتأكيده على الحقوق والواجبات في شكل طرحه فإن هذا الأمر يؤكد أن عقائدية الدولة ومادتها راسخة وأن المسألة المطروحة للنقاش هي تطوير التجربة الأردنية في سياق قانوني يتجاوز ما شابها من اختلالات أفضت في بعض الأحيان إلى عدم العدالة، وتنظيم المجتمعات بشكل طبيعي يعبر عن إزدهار المملكة الرابعة.
فالعقد الاجتماعي الأردني امتلك الملامح والثوابت التي ما زالت دول الجوار تبحث عنها وتجاوز الأمر إلى منح الدولة كفاءة ترسيخ العدالة وتطبيق تشريعاتها الحقوقية ما يجعل الناس يآزرون الدولة، ويشعرون أنها تلبي رغباتهم بالعدالة والأمن والطمأنينة.
فالأردن ذو عقد راسخ وعمران متماسك ودولة جذورها تتطلع إلى سماء المئوية الأولى بثقة قيادتها وشعبها .