في مقال سابق لي نشر هنا في عمون بتاريخ 13/06/2018 كنت قد رشحت المنتخب الفرنسي للفوز بلقب بطولة كاس العالم التي استضافتها روسيا على مدار ثلاثين دورة للأرض حول نفسها، وهذا ما جرى يوم أمس على ستاد لوجنيكي في العاصمة الروسية موسكو، إذ فاز منتخب الديوك الزرق الفرنسي على منتخب "الناريون" الكرواتي بأربعة اهداف مقابل هدفين في المحطة الأخيرة لرحلة قطار كأس العالم الحادية والعشرين. (أنظر مقال "فلسفة كرة القدم" لكاتب هذه السطور على الرابط التالي: https://www.ammonnews.net/article/379049).
هل جاء ترشيحي هذا صدفة؟ أم انني أملك حدسا ألهمني بغتة بأن منتخب الديوك الزرق سيعتلي منصة التتويج في ختام هذا المونديال الذي حطم الأرقام القياسية في عدد المفاجآت التي جاءت بها مبارياته؟
يقول المثل: "مادح نفسه كذاب"، وعليه لا أريد من هذا المقال التبجح بملكة الحدس التي أكاد أشعر يقينا بوجودها عندي، لكن ما أريده هو إثارة موضوع الحدس بشكل عام ووفق إطار علمي مبني على حقائق تم التأكد منها من خلال تجارب مختبرية.
توصل العلم الحديث إلى أن لدى الانسان ملكات نفسية خارقة أهمها ثلاث وهي: تناقل الأفكار، ورؤية الأشياء من وراء حواجز، والتنبؤ.
ولعلني لا أغالي إذا ما وضعت التنبؤ والحدس والتوقع والتخمين في إطار واحد، فالكلمات تتعدد لكن المعنى واحد. وأكاد أجزم أن جميع هذه الكلمات لا تتفق في معانيها مع المعنى الذي تحمله كلمة "تنجيم"، وكذب المنجمون ولو صدقوا.
وليسمح لي القارئ بأن اعرف له الحدس كما أعيش تجربته شخصيا دون اللجوء إلى أي مصدر علمي أو مرجع أو التجول في دروب الشبكة العنكبوتية هنا وهناك.
الحدس إحساس مفاجئ يأتيني بغتة على غفلة دون التفكير بموضوعه قيد أنملة. هذا الإحساس الغريب يتميز عن بقية الأحاسيس الاخرى بأنه يحمل لي نبأ ما. كيف يحمل الإحساس هذا النبأ؟ أحيانا أشعر وكأن شخصا ما يهمس في إحدى أذنيي بنبأ ما، وأحيانا أخرى ألمح بطرف عيني صورة لحظية لذاك النبأ، وأحيانا أخرى أشعر وكأني منجذب بكليتي بقوة هائلة نحو موضوع هذا النبأ، وتتعدد الوسائل والطرق والنبأ واحد.
قد يبرر البعض منا تطابق بعض الأحداث في المستقبل مع الحدس بهذه الأحداث في الماضي بالصدفة. ولعلني لا أجافي المنطق الرياضي إذا ما قلت بأن هذه الحجة التي يتحجج بها البعض منا ما هي إلا حجة المفلس كما يقول المثل.
وذلك لأن الصدفة تصيب بنسبة معينة حسب قانون الاحتمالات الرياضي. فمثلا إذا توقع أحدنا نتائج عشر مباريات، وأصاب توقعه مرة واحدة فقط، يقر العلم الحديث بأن توقعه هذا جاء بمحض الصدفة ليس حدسا، وأن النسبة المئوية لمصداقية الصدفة في هذا المثال هي عشرة بالمائة. وعليه، إذا توقع أحدنا نتائج عشر مباريات، وأصاب توقعه مرتين على الأقل فإن العلم الحديث يقر بأن توقعه هذا كان نابعا من حدسه، وأن النسبة المئوية لمصداقية حدسه هي عشرون بالمائة على الأقل، لأنها تجاوزت نسبة مصداقية الصدفة. وبالنسبة لي، فقد أصاب حدسي في توقع نتائج مباريات "المونديال الروسي" بنسبة 51%، إذ توقعت نتائج ثلاثا وثلاثين مباراة توقعا صحيحا مما مجموعه أربع وستون توقعا.
ومن جهة أخرى، وبغض النظر عن العلل العديدة التي يعلل بها العلم الحديث علة الحدس ومنها على سبيل المثال لا الحصر علة العقل الباطني، فإنني لا أستبعد أن يعلل العلم المعاصر عاجلا أم آجلا الحدس بعلة الجينات، وأن يعتبر العلم الحدس صفة وراثية تتوارثها البشرية جيلا إثر جيل.
وعليه، أكاد أجزم بأن الحدس موجود عند كل إنسان لكن على درجات، فهو موجود عندي وعندك عزيزي القارئ في درجاته الدنيا، وموجود عند الأنبياء في درجاته العليا.
ولربما لا أحلق بعيدا في سماء الأوهام إذا ما قلت بأنه لا ضرر ولا ضرار من الايمان بالحدس إذا ما استمعنا بإصغاء لذاك الصوت الهامس في آذاننا فجأة بنبأ ما دون سابق إنذار، وإذا ما أمعنا النظر في تلك الصورة اللحظية لنبأ ما، وإذا ما تفكرنا وتأملنا بذاك الشعور القوي بالانجذاب نحو جانب من جوانب موضوع النبأ؛ فقد يكون هذا الحدس بذاك النبأ هو أحد مفاتيح أبواب السعادة والنجاح في هذا الحياة.
على هامش المقال:
يقول الدكتور علي الوردي في كتابه (خوارق اللاشعور أو أسرار الشخصية الناجحة) ص147: "فإذا كانت الصدفة تصدق في حدسها بنسبة معينة حسب قانون الاحتمالات ثم وجدنا أن الناس يستطيعون أن يصدقوا في حدسهم بمعدل أعلى من تلك النسبة بجزء صغير كان ذلك دليلا قاطعا على وجود قدرة خارقة لديهم".