بعد اكثر من سنة ونصف على تشكيل الحكومة انتبه بعض النواب الى انها قصّرت في اداء واجبها ولم تلتزم بما ورد في كتاب التكليف السامي ، حسناً: الانتباه - وان كان متأخراً - مطلوب ومرّحب به ، وهو يعبر عن حيوية افتقدناها - للاسف - في اداء المجلس النيابي الحالي ، لكن ماذا عن «اوجه» التقصير؟ وهل صحيح ان الحكومة أخفقت فعلاً في ترجمة بيانها الوزاري الى واقع ملموس؟
لا أريد ان أبدو وكأنني أدافع عن اداء الحكومة ، فأنا لم أفعلها سابقاً ولست معنياً بالدفاع عنها الآن ، لكن ما سمعته وقرأته عن «انتقادات» احدى الكتل البرلمانية للحكومة حول «اربعة» عناوين هامة ، لم يقنعني - كمواطن على الاقل - بأن الحكومة «قصّرت» او أخفقت في ادائها ، خذ مثلاً ما يتعلق بما قيل عن «تقصير الحكومة في الدفاع عن الإرث التاريخي للمملكة» او بما ذكر عن «اخفاقها في ترجمة البيان الوزاري».. ولا يمكن تعميم هذه العناوين الفضفاضة وغير المحددة على كافة الحكومات والمؤسسات الوطنية - ومن ضمنها البرلمان ، ثم أليس من المفترض ان يبادر السادة النواب قبل سنة على الاقل الى مساءلة الحكومة عن هذا التقصير ، او ان نسمع منهم - اضعف الايمان - ما يشير الى ذلك خلال دورتهم الماضية ، بدل ما كنا نسمعه من اشادات متكررة بالانجازات الحكومية ، بمناسبة او بدون مناسبة.
ارجو ان لا يفهم انني ضد محاسبة الحكومة على ادائها من قبل السادة النواب ، فهذا هو صميم دورهم ، وهذا - ايضا - هو الهدف الذي «إنبرت» ألسنتنا ونحن نطالب به كمواطنين ، اخواننا النواب ، ولكن من حقنا كمتابعين ، ومن حق قرائنا الذين نحترم عقولهم ، ان نفهم ما وراء هذه الحملة النيابية على الحكومة من اسرار ، وما تحمله من مضامين ، وما تختزله في «التوقيت» والادوات المستخدمة من غرائب (أليس من الغريب ان تشتكي بعض الكتل النيابية على الحكومة مع انها دستورياً مكلفة بمحاسبتها لدرجة طرح الثقة بها ان لزم) ، ثم ماذا عن اداء البرلمان نفسه ، الا تبدو هذه الهجمة مجرد تصفية حسابات بين الكتل البرلمانية المتنافسة ، واقحام الحكومة فيها ليس اكثر من «لافتة» للهروب الى الامام.
بصراحة اكثر ، اداء الحكومة لا يختلف عن اداء البرلمان ، واذا كان ثمة مشتركاً بين الطرفين فهو «التقصير» ، ومع ان الحكومة - للانصاف - قد اجتهدت وحاولت تحسين ادائها بما توافر لديها من امكانيات ، الا ان محاسبتها على «العموميات» واشهار التهم المعممة اليها هكذا ، امر غير مفهوم ، ونحن هنا لا نريد ان نقارن بين اداء الحكومة مع سابقاتها ، ولكن يجب ان نعترف بأن «اخطاء» هذه الحكومة كانت أقل ، وتعاملها بهدوء مع الملفات الصعبة كان واضحاً للجميع ، وعلاقتها مع مختلف التيارات والاحزاب كان متوازناً وبعيداً عن «الاشتباك» ، فلم يسجل عليها افتعال اي ازمة ، ولم يؤخذ عليها استعداد اي طرف ، بل يكتب لها انها اجتهدت (لا تسأل ان كانت أصابت ام أخطأت؟) في حل بعض ما توارثته من ازمات ، او ما واجهها من مشكلات ، لكن يبقى سؤال: لماذا يختار اخواننا النواب اقتراب السنة الثانية من عمر اي حكومة للهجوم عليها والدعوة الى رحيلها؟ والى متى ستظل هذه «اللعنة» تطارد حكوماتنا؟ ألم يغضب اخواننا النواب من الدعوات التي انطلقت لحل مجلسهم لدرجة الاحتكام للقضاء؟ ألم يكن من المناسب ان تكون «اعادة» الروح لاداء المجلس عبر بوابة «النقد الذاتي» قبل «نقد» الحكومات واشهار الشكوى ضدها.
قلت: لا أدافع عن الحكومة ، ولا انتقص من اداء البرلمان ، ولكنني - كغيري - اريد ان افهم هذه «الالغاز» التي أصبحت في بلادنا من «عموم البلوى».. لا لإنها تضع نفسها في دائرة «اداء» الواجب ، من مساءلة ومراقبة وغيرها ، ولكن لأنها تبدو غير مفهومة.. وربما غير بريئة ايضاً.