"عطاء الديسي" عنوان صراع بين الرئاستين!
بسام حدادين
14-05-2009 06:49 AM
نعوّل على موضوع "عطاء الديسي"، ونتمنى ان تستمر حالة التدقيق والتمحيص بكل ما يخص العطاء، ونطالب بأن تكون الحكومة شفافة بكل أجوبتها
فجأة، ومن دون مقدمات، يُظهر مجلس النواب اهتماماً استثنائياً، بعطاء مشروع جر مياه الديسي الى عمان. هذا العطاء الذي أحيل على شركة تركية، قبل عامين تقريباً، في عهد حكومة د. معروف البخيت.
البداية كانت اسئلة موجهة من ثلاثة من النواب المقربين من رئاسة المجلس، اسئلة استفهامية واخرى استنكارية. وبعد اسبوع من موجة الاسئلة، يقرر المكتب الدائم لمجلس النواب، في سابقة هي الاولى من نوعها، اعتبار نفسه "لجنة تحقق نيابية" ويوجه للحكومة وابلاً من الاسئلة حول العطاء المذكور وفي الاتجاه نفسه.
وتتتابع الوقائع وتظهر "صلحة" مفاجئة، بين رئيس لجنة الزراعة والمياه واعضاء اللجنة الذين انقلبوا عليه وقدموا استقالات جماعية، وحل الوئام محل الخصام.
وبعد أن أعيد بناء لجنة الزراعة والمياه، أمسكت اللجنة بملف "عطاء الديسي" و"نُظِّمت" لاعضاء من اللجنة لقاءات جانبية مع "خبراء"، لم يعلن عن اسمائهم، وكانت اللقاءات حصرية وغير معلن عنها. ثم تستدعي اللجنة وزير المياه الحالي، وتستقصي منه المعلومات التي تهمها، وتعقد اجتماعاً لاحقاً بحضور رئيس مجلس النواب وحشد من النواب لمناقشة "عطاء الديسي" و"اللغط الكثير" المثار حوله، كما قال الرئيس الحالي حين ترؤسه اجتماع لجنة الزراعة والمياه الحاشد والمحشّد له.
وقُدمت للمجتمعين اسئلة تحمل شكوكاً بوجود فساد، وانطلقت من الاجتماع "الغاضب" مطالبات بوقف العطاء، واخرى لتشكيل لجنة تحقيق نيابية، وتكررت على اكثر من لسان مطالبة بإلغاء العطاء واحالته على شركة محلية. ويختتم الاجتماع بدعوة رئيس الحكومة للقاء اللجنة مع الوزراء المعنيين للاجابة عن اسئلة اللجنة والاعضاء.
لولا أنّ هذه "الحركة" مفاجئة، ومتأخرة جداً، جداً، لفرح قلبي وابتهجت نفسي، لهذا الاداء النيابي الرقابي الرائع، الذي ادعو لمواصلته بكل الاحوال، المتحرر من القيود والتكبيلات المعروفة.
لا أقلِّل من صدق النوايا عند غالبية السادة النواب، الذين يبحثون عن دور رقابي حقيقي مكبل ومفقود، واخص بالذكر النائب وصفي الرواشدة، رئيس لجنة الزراعة والمياه، الذي عُرف بالصدق والاخلاص في عمله رئيساً للجنة.
لكن ما يلفت الانتباه هو الاهتمام الاستثنائي من المجالي شخصياً في ملف "عطاء الديسي"، فهو من حرك الملف وادار شخصياً كل جوانب الحركة فيه، حتى كبر واصبح موضوع رأي عام، ضاغط على الحكومة.
لماذا لجأ الرئيس المجالي الى هذه الطريقة "الرسمية" في "الحوار" العلني مع الرئيس الذهبي؟! الم يكن باستطاعته الحصول على كل المعلومات التي يريدها بمكالمة هاتفية، كما كان يحصل دائماً مع الرئيس الذهبي وغيره من الرؤساء؟!
ثم لماذا الآن؟ وما الدوافع الحقيقية الكامنة وراء هذه "الحركة"؟!
الرئيس المجالي قال، أمام اجتماع لجنة الزراعة والمياه الحاشد، إنّه تحدث مع جلالة الملك بموضوع مشروع الديسي، ويحمل الحديث ايحاءات، لا أرغب الإشارة او التعليق عليها. لكن حديث المجالي مع جلالة الملك، كان قبل أن تُحل عقدة الاغلاق المالي من قبل الشركة التركية، وكان قد بُدئ التفكير بالبدائل. أما أن يستمر "التصعيد" بعد ان اصبح من غير الممكن لاسباب عديدة الانسحاب من العطاء، الذي سيكلِّف الخزينة عشرات الملايين من الدولارات، لو أن الحكومة قررت الانسحاب. فوراء الاكمة ما وراءها!
"حركة" الرئيس المجالي، لا يمكن وضعها خارج سياق العلاقة "الفاترة" مع الرئيس الذهبي.
حالة "الفتور" في العلاقة بين الرئاستين، بدأت بعد التعديل الذي اجراه الذهبي على حكومته، والذي "أبعد" فيه الوزير سهل المجالي عن وزارة الاشغال العامة، في ظل "لغط كثير" دار حول مشروع "سكن كريم"، الذي كان باشراف وزارة الاشغال مباشرة وسُحب منها.
هذه "الحركة" من الرئيس الذهبي، أزعجت الرئيس المجالي لدلالاتها الواضحة. لكن الرئيس المجالي كظم غيظه. وما خفف عليه انتقال الوزير سهل الى حقيبة اخرى. وهو ما فُسِّر على انه "كسر وتجبير" كما يقول المثل الشعبي.
أما السبب الثاني وربما الأهم، في فتور العلاقة بين الرئاستين، هي حالة "التموضع" الجديدة في العلاقة بين الرئاستين بعد أن سُحب الغطاء عنهما كليهما. واصبح مطلوبا من كل واحد منهما ان "يخلع شوكه بيده" فلم يعد هناك "مايسترو" ينظم العلاقة ويضبط ايقاعها.
لكن الرئاستين تحتاجان لبعضهما بعضا، وما يجري لا يتعدى ارسال الرسائل واستعراض للقوى، وجل ما يخشاه الرئيس المجالي هو ان تعمل الحكومة مع نواب على تنحيته عن سدة الرئاسة.
لم يظهر الرئيس الذهبي، ما يشير الى انه سيخوض غمار مثل هذا "الحراك"، وهو ليس صدامي بالطبع ويتجنب كثيراً الاحتكاك بمجلس النواب، ويطمح بعلاقة مستقرة معه.
نعوّل على موضوع "عطاء الديسي"، ونتمنى ان تستمر حالة التدقيق والتمحيص بكل ما يخص العطاء، ونطالب بأن تكون الحكومة شفافة بكل أجوبتها. وندعو رئيس الحكومة إلى أن يصطحب فريقه الوزاري المختص ويلتقي مع النواب، ويجيب عن اسئلتهم. وآمل ان لا تتوقف هذه "الحركة" بعد ان طلب جلالة الملك اول من أمس من الحكومة الاهتمام بكل المشاريع المائية الاستراتيجية، وبعد أن أعلنت الحكومة في حضرة الملك عن عزمها الاسراع في تنفيذ مشروع الديسي.
bassam.haddadeen@alghad.jo
بسام حدادين