اشكالية العقد الاجتماعي الجديد وتداعياته
فيصل تايه
15-07-2018 02:10 PM
تتفادى المجتمعات "اية مجتمعات" السقوط في مستنقعي الإقصاء و الكراهية والغرق عميقاً في ظلمات الانحلال المدني والحضاري والعودة إلى جفاف الصراعات الإنسانية ، فلا يخلو أي مجتمع من الانتماءات الصغيرة لكافة وحداته الاجتماعية المكونة لواحديته ، وهي وبالتأكيد متنوعة ما بين انتماءات ذات امتداد أسري أو مكاني وطائفي و ديني أو أثيني ، ومع حتمية الاصطدام لهذه الانتماءات أمام الانتماء الأكبر المتمثل بالمشروع المدني العصري (الدولة بحدودها الطبيعيه ) ذات القطرية والمساحة والجغرافيا والسكان والحدود الطبيعية وعوامل تطورها واستمرارها وبقائها على قيد الحياة ، لتأتي إشكالية التناغم والانسجام بين وحدات البشر القاطنين في حدود الدولة من أهم الركائز الأساسية لبقاء مشروع الدولة متماسكاً وثابتاً وتطويعه للتطور الحضاري والمدني ، وبما أن التنوع البشري كان ولا يزال من أهم المعضلات التي تقف كعائق رئيسي أمام نمو وتطور الدولة ، جاءت التوجهات والأفكار للقضاء عليها أو التخفيف من حدتها منصبة في مفردات "العقد الإجتماعي" الذي يحافظ على الدستور والقوانين وتوجه النظام وحيادية السلطة ، التي على ضوئها إما تسهل على الدولة تخطي عقبة التنوع البشري وثقافات الانتماءات المتعددة أو تعقدها ، لذلك يحرص الجميع على جعل الدستور فاصلاً واضحاً لكل تحديات الاختلافات والارتكاز على الانتماء للدولة الحريصة في عقدها الاجتماعي على تنظيم حياة مواطنيها بمفهوم المواطنة المتساوية والعدالة في توزيع الثروة والديمقراطية التي تحفظ للأفراد حقوقهم بثقافاتهم وأرائهم ومشاركتهم بالسلطة ، مع اختيار الأشكال الإدارية التي تتناسب مع حدة أو خفة الاختلاف السكاني كالإبقاء على إدارة تغلب عليها المركزية أو الإدارة اللامركزية (حكم محلي ــ مجالس محلية ــ بلديات) والتي تأخذ مساحات استقلالية بحسب نوعيتها الذي يحدد الدستور ، ويكاد يتفق الجميع بأن الاختلال الحادث في هذا الجانب سيزيد تعقيدات المشروع التنموي للدولة المتحضرة التي أرادها سيد البلاد وتتوسع معه حالات الشتات والفرقة والصراعات البينية ، ومعها ستطفو على السطح مشاكل الإقصاءات والإحساس بالغبن والظلم والاضطهاد التي ستكرس مخرجاتها لحضور متوالي لثقافة البغضاء واستعداء الدولة وسلطاتها والخروج عنها.
إن العدل والمساواة والمواطنة المتساوية ، ركائز ثابتة للإبقاء على مشروع الدولة متماسكاً وأكثر صلابة في جدرانها الوطنية والاجتماعية المتساوية ، والعكس صحيح ، وهو ما تخشاه أي سلطة وأي حكومة حدوثه ، وتعمل جاهدة على إيجاد حلول مناسبة وعادلة ، وتوظيف كل موارد الدولة البشرية والطبيعية في سبيل خدمة هذا الجانب وتفعيل القوانين المنظمة الأخرى ، فلماذا إذا تحاول بعض الفئات المتنفذه تجاهل أهمية هذه الركائز وخطورتها على مشروع الدولة الحضاري؟! .. والحقيقة تقول إن ثقافة الاستحواذ لا تتناسب أبداً مع تقاطعات بناء الدولة العصرية التي اشرت وهي ما يفرط في التحذير منها اصحاب الافكار التقدمية التنويرية للدولة العصرية ، ومن خطورة تسلل هذه الثقافة لإدارة مؤسساتها والتي حتماً ستواجهها ثقافة أخرى مضادة وهي ثقافة الكراهية ، مما يضعف إمكانية التعايش بهاتين الثقافتين سواء طال الزمن أم قصر..
إن ما نرصده عند البعض المستقوي بثقافة الاقصاء لا يبتعد كثيراً عن الوصول إلى رأس ثقافة الهدم والاستحواذ والكراهية ، يعود ذلك إلى ااستمراء تعمد العمل على إجهاض اي مشروع ، وأضعاف دولة المؤسسات والقانون والنظام وتحييدها لخدمة مصالحهم الخاصة ، التي يعتقدون خطاءً بأنها خدمة لمصالح البلاد العليا ، لذلك أصبح من الواضح استمرار تآكل سيادة القانون وبروز سياسات تمييزية لا تقترب من مواد الدستور ولا تبتعد عن إسقاط مؤسسات الدولة في منحدرات الجمود والترهل والاختفاء ، مما أسهم في تعميق الإحساس بالظلم والاضطهاد والغبن لدى فئات واسعة من شرائح المواطنين ، مما ولد لديها الضعف في مؤشرات الإيمان بالانتماء اللوطن وللدولة، وتزايدت في قناعاتها حدة الانتماءات الصغيرة لاستعادة وجودها وإحساسها بالمواطنة السوية ، أما الآخر الذي استحوذ على وظيفة الدولة ومسؤولياتها أوجد في ذلك الفواصل الحادة بين مختلف فئات المجامع .
ضمن ما تقدم ..وجب علينا ارساء ثقافة الدولة المدنية المتحضرة ، والابتعاد عن الثقافة المغروسة في المجتمعات المتأزمة التي تواجه معضلات جمة متمثلة بالفقر والقهر والاستغلال والبطالة بكافة أشكالها المتفوقة في معدلاتها جميع المستويات العالمية ، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يتعداه إلى تدهور سياسات التربية والتعليم والفساد الإداري والمحسوبية وانعدام الشفافية والمكاشفة ، وهذا سببه بالطبع عدم وجود صورة واضحة وشفافة لأيدولوجيات نهضوية فاعلة ، بل إن الكثير من تجار الشد العكسي ما زالوا متشبثين برؤى فكرية مستهلكة وخطاب تقليدي ممتهن دون تقديم مصلحة الوطن والمواطن كأولويات ، ما أدى ويؤدي إلى هدر الطاقات والإمكانات والكفاءات وإبعادهم عن المشاركة في القضايا المصيرية .
لذلك فان توجهات دوله الدكتور عمر الرزاز رئيس الوزراء وما طرحه في هذا السياق تركز على تفعيل العقل وتوليد الثقافة الاجتماعية التي تغلب الدولة على مصدري ثقافتي الاستحواذ والكراهية، و إرساء قواعد دولة المؤسسات والدستور، وسيادة القانون، والمواطنة السوية والعدالة، وديمقراطية حقيقية معبرة عن إرادة المواطنين ، تلك هي الثوابت المؤمنة لضمان استمرار نمو الدولة وانتصارها على كافة أزماتها.
وللحديث بقيه