يبدو من الانطباعات المسجلة عن الحوار الذي أجراه رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز في مجلس النواب أنه كان واسع الصدر، متقبلا لمعظم الملاحظات والآراء التي عبر عنها رؤساء وأعضاء الكتل البرلمانية، وأنه أظهر قدرا كافيا من الاستعداد للتعاون مع المجلس لرسم خارطة طريق يتم من خلالها معالجة التوجهات والإجراءات التي استفزت المجتمع الأردني من ناحية، وهزت ثقته بمجمل الأداء من ناحية ثانية.
بين ما يعرفه رئيس الوزراء عن واقع الحال، وما أثاره النواب من انتقادات لم يخل بعضها من الحدة والسخط، ثمة ما يلفت الانتباه إلى أن كلا الطرفين يواجه الاختبار الأصعب خلال المناقشات العامة للبيان الوزاري، اعتبارا من يوم الأحد إلى حين التصويت على الثقة في الحكومة، أي الاختبار المتعلق بصورة الطرفين أمام جلالة الملك والشعب على حد سواء.
رئيس الوزراء يواجه جردة حسابات ليس للمرحلة المسؤول عنها، ولكن لما سبقه من مراحل لم يكن مسؤولا عنها، فالمطالبة بإعادة النظر أو تعديل قوانين سبق أن أقرها المجلس نفسه أمر يزيد من حمولة سفينة الرئيس الذي يدرك في قرارة نفسه أن هناك فرق كبير بين تحميل المسؤولية وبين حمل المسؤولية التي يتعاون الجميع على حملها إذا ما توافقوا على مشروع وطني متكامل لنهضة فكرية، ثقافية، سياسية، اقتصادية، واجتماعية، وهو في وضع يحتاج فيه إلى معرفة الطريقة التي يمكن أن يتعاون فيها الطرفان من أجل الخروج من عنق الزجاجة!
ومشكلة النواب ليست أقل شأنا من مشكلة الحكومة فكلاهما يبحث عن فرصة لإعادة ثقة الناس بهما، فقد سمعنا من بعض النواب أنهم يجدون حرجا في الاتصال مع قواعدهم الشعبية لكثرة الانتقادات التي يتعرضون لها بسبب موافقتهم على الإجراءات الحكومية التي لم تأخذ في الاعتبار أوضاعهم المعيشية، وعدم قدرتهم على تحمل المزيد من الأعباء الناجمة عن الأوضاع المحيطة ببلدهم، وفشل بعض سياسات الإصلاح الاقتصادي، ومشاريع التنمية التي لا يلمسون نتائجها على أرض الواقع.
هذا الوضع أدعى للطرفين كي يتخلصوا من الأسلوب المتبع في العلاقة بينهما، والأهم من ذلك أن الفرصة سانحة الآن لتنظيم تلك العلاقة بما يضمن المصالح العليا للدولة، وذلك يقتضي قدرا كبيرا من سعة الصدر، والنقاش الموضوعي الهادئ، والحوار الهادف، من أجل معالجة الخلل الوحيد في معادلة قوة الدولة في التعامل مع التطورات الإقليمية والدولية المنتظرة، والتي تتشكل على مقربة منا، وهي مغلفة بغموض الأهداف وريبة المقاصد، وخطورة التحديات!
yacoub@meuco.jo
www.yacoubnasereddin.com