قدم الرئيس في اجتماعاته مع الكتل النيابية التزامات إضافية فوق التزامات البيان الوزاري. وقد تسرب الحديث عن التزام الرئيس بإبعاد بعض الوزراء بعد الثقة، وقد لا يكون ذلك صحيحا، لكن المؤكد أن الرئيس التزم برصد أداء الوزراء وتغيير كل من يقصّر منهم خلال مهلة المائة يوم لتنفيذ جدول محدد من الالتزامات ذكرها البيان الوزاري.
وقد بادر مركز "راصد"، بالمناسبة، بإنشاء منصة قياس أعطاها اسم "رزاز ميتر" سترصد تنفيذ الحكومة لالتزاماتها كما قام المركز بنشر تقرير إحصائي مقارن لالتزامات البيان الوزاري، وهي مبادرة جيدة تضع الحكومة بصورة دائمة تحت مجهر الرقابة العامّة. ومن المفهوم أن الكثير من الالتزامات لا يتجاوز إعلان نوايا طيبة في الموضوع المعني ولا تذكر أي إجراء محدد، وهذا مفهوم؛ فالرئيس نفسه ليس مطلعا على التفاصيل في الكثير من الملفات ولم يكوّن قناعة محددة فيها. حتى قانون ضريبة الدخل نفسه الذي أطاح بالملقي اكتفى البيان بأن يعلن الالتزام بإطلاق حوار وطني حوله وإجراء "مراجعة شاملة" للمنظومة الضريبية، وعلى كل حال إذا كان هناك إجماع حول رفض مشروع الحكومة السابقة فهناك انقسامات كثيرة حول البديل والنخب عموما متفقة على تغيير النظام الضريبي لكنها منقسمة حول محتوى التغيير.
من هذه الزاوية، تتشابه أجزاء من البيان الوزاري مع بيانات الحكومات السابقة أكان في المواضيع أو الأسلوب، وهو تقديم وعود عامة لا تتضمن آجالا ولا انحيازا محددا لاتجاه التغيير. والسبب واضح، فالحكومة لا تمثل حزبا أو ائتلافا لديه برنامج معد مسبقا ورؤية مختمرة ومتبلورة. الحكومة تأتي وأمامها على الطاولة مشاكل وتحديات، والرئيس ووزراؤه لم يكونوا قد التقوا من قبل كفريق يبحث جميع القضايا العامة ويبلورون رؤية ورأيا كما هو حال الأحزاب، ولذلك يقترب البيان الوزاري من الملفات كعناوين ويعد بمعالجتها وتحقيق نتائج إيجابية معينة لا خلاف على أنها غاية الجميع.
لكن هذه الحكومة تختلف عن سابقاتها من حيث الظروف والسياق حتى لو تشابهت مع حيث طريقة التشكيل. فقد جاءت على وقع احتجاجات كبرى نبذت النهج القديم وطالبت بنهج جديد. والنهج الجديد يطال بالضرورة طريقة تقديم الحكومة لالتزاماتها، وحتى الالتزامات المعومة بالضرورة يجب أن تمتلئ بأقرب فرصة بالمضامين، وعلى سبيل المثال، فإن اللامركزية هي أحد الالتزامات التي لم ترتبط بزمن أو جهة أو رؤية للتنفيذ؛ حيث وعد البيان الوزاري فقط بإجراء تقييم شامل لتجربتها! هذه عمومية مطلقة للحديث عن ملف متعثر وهي تنفع للبيان الوزاري وليس أبدا بعد ذلك بيوم؛ إذ يجب تقديم رؤية وآلية عمل وقد يكون مطلوبا تضمين الرد على مداخلات النواب بتفاصيل إضافية عن الالتزامات التي وردت في البيان الوزاري معومة. والنواب كالعادة ينتظرون رد الرئيس على مداخلاتهم ليقرروا الثقة (كذا المفروض نظريا). وقد قرأت على كل حال أن الرئيس ينوي تقديم تفاصيل للالتزامات العامة في ردّه قبل تصويت الثقة.
المصداقية هي التحدّي الأكبر أمام الرئيس والامتحان هو تنفيذ الالتزامات بجدّ، ونحن في حياتنا اليومية نطور قدراتنا على التملص من الالتزام أكثر من الوفاء به. ونأمل أن يتفوق الرئيس على ثقافتنا العامّة في التنفيذ وأن يقدم في الرد على النواب التفاصيل الضرورية للالتزامات المعومة مثلا اعتماد آلية مؤسسية للرقابة على الوزراء وتغيير المقصرين، آلية تقنع النواب وقبلهم وبعدهم الرأي العام الأردني وشباب الرابع الذين وثقوا بالرئيس وقالوا نمنحه فرصة.
الغد