نعم كنت أقف على حافة العالم ليس بعيدا عن القطب المتجمد الجنوبي ..هناك حيث مدينة الصفيح «الزنكو» في
بارباس «في تشيلي احد اهم دول أميركا اللاتينية ..ومدينة الصفيح هذه أشبه بلوحة فنية بل هي كذلك فقد برع
الفنانون من سكانها في طلاء الصفيح برسومات ذات ألوان جميلة فتحولت الى لوحة فنية معلقة على جدار المحيط الهادي وبعدها حيث ترتدي الارض الرداء الأبيض الذي لم تنزعه منذ كانت ،،.
عندما تلقيت دعوة من طيران الإمارات في رحلة الى تشيلي في اخر ما عمر الله سالت ما الذي ستفعله في افتتاح هذا الخط الجديد وما الذي ستجنيه الشركة من تسيير خمس رحلات أسبوعيا الى سانتياغو عاصمة تشيلي ، الى ان عرفت لاحقا خلال وأثناء وبعد الزيارة بعض الأسباب ،لكن في خضم البحث عرفت انه لا شك ان ثمة أسباباً عظيمة دفعت الراحل الملك الحسين بن طلال في عام ١٩٥٣ الى الطلب من الحكومة أنذاك افتتاح سفارة للمملكة الاردنية الهاشمية في سانتياغو في تشيلي اخر الدنيا في حين لم تكن للمملكة سفارات في دول ربما مجاورة او قريبة . ..هل من شك في عبقرية الملك الحسين رحمه الله.
سألني رفيق السفر وقد جلسنا نتامل بحيرة ليانكو الرائعة في مدينة بورتو فاراس الى الجنوب من تشيلي «ما هو شعورك وانت تجلس على حافة العالم ؟» بصراحة لم تكن لدي اجابة جاهزة كعادتنا جميعا عندما يداهمنا احدهم بسؤال أيا كان نوعه، فالإجابات في عقولنا نماذج ما علينا الا ان نركبها لتتلاءم مع السؤال ،لأننا ببساطة نعرف كل شيء ونفتي في كل شيء ،على أي حال ليس هذا هو بيت القصيد، وفِي الحقيقة انني لم اجد اجابة عن سؤال رفيقي هذا لذي لم يشأ القدر الا ان التقيه في اخر العالم هو الزميل يوسف البستنجي الصحفي الأردني الذي حطت به المهنة اخيراً في ابو ظبي ولَم ارغب في ان اقلب كل النماذج الجاهزة كاجابات في عقلي ولَم أرد ان افعل ،لكن السؤال منحني فرصة لان انتقل الى مكان أخر بعيد تماما ..ووجدتني مؤقتا لا استدعي الهموم ولا الضغوط ولَم أفكر لبرهة في جملة القضايا المرتبة أبجديا في بلدنا ولا في منطقتنا ولا في اَي مكان قريب منه ،،فأنا على حافة العالم فلماذا اتعب نفسي في التفكير في العالم ،يا هذا دع الخلق للخالق وعش ولو لساعات من موقعك وانت تجلس في ذات النقطة في اخر نقطة من العالم حيث ينتهي الى قطب جنوبي ولا شيء..
لم أفكر في الإجابة ولَم أتوقف عند شيء لكنني اذكر انني تمتمت ببعض الكلمات مثل هذيان وقلت «هنا نهاية العالم ..هذا عالم ليس لنا ، هنا نهاية العالم الذي نعرفه عند اخر نقطة، ما لي ومال العالم، لأول مرة شعرت بفراغ كبير ،هل
تعرفون ما هو ؟انه المساحة الهائلة التي خلفها عدم التفكير في الهموم والمشاكل خاصة وعامة ،،حسنا عدنا الى منتصف العالم الان هنا في الشرق الأوسط ..استيقظ يا صديق لقد جاءت ساعة الحقيقة « !!.
حسنا مع كل اكتشافاتي المذهلة لحياة غير تلك التي نمر بها فاتني ان أبوح باكتشاف واحد اخير ..نهاية العالم بمعنى اخر نقطة جغرافية مأهولة بالبشر في أقصى الجنوب في تشيلي في أميركا الجنوبية هي ليست نهاية العالم في الحقيقة،، يحق لنا نحن العرب ان نفخر بأننا نحن هنا اخر العالم ،صناعة وإخراجا وإنتاجا، ففي الإحصائيات نحن في ذيل القائمة في اَي مادة او موضوع او قطاع ،وفِي السياسة نحن الأضعف وفِي الاقتصاد نحن الأقل إنتاجية ..في كل المسابقات الدولية رياضة أم فنون أم اختراعات ،صحة وتعليم ،نحن في اخر القائمة ،فمن هم الذين سيكونون في اخر العالم ؟. اخر العالم ليس حيث تسكن بل حيث هي مكانتك في هذا العالم.
الرأي