عاصم العابد يكتب ل " عمون " :مرّت العاصفة ..
12-05-2009 06:40 PM
كنت مجهدا ووصلت بصعوبة إلى منزل الصديق رمضان الرواشدة مدير عام وكالة الأنباء الأردنية - بترا - التي عملت لسنوات عضوا في مجلسها ، لأبارك له إنجاز الوكالة بما حصدته مؤخرا من ثمار، أسهم فيها شباب الوكالة وشاباتها ، عندما تعاظم الخفقان وازداد وجيب القلب. انسحبت سريعا وخفيفا ودون استئذان، وقد أخذت أصنّف ما أنا فيه :
ذبحة صدرية ؟ جلطة دماغية ؟ سكتة قلبية تتشكل وستخمدني نهائيا والآن ودون فرصة للوداع حتى ؟ !!
كنت أقود سيارتي، وأنا أخشى من أن يداهمني القدر، وأنا في وضعيتي تلك، فأصدم سيارات، أو تميل بي السيارة إلى منزل أو متجر أو محطة وقود، فأتسبب في أذى فادح أو حادث مدمر.كنت اكسب المزيد من الأمتار في الطريق إلى المستشفى. ما الذي يتوجب علي أن افعله ؟ هاتفت أم البنين وأخبرتها أنني في الطريق إلى المستشفى ، وكنت رقيقا أكثر كثيرا من المعتاد ، فتلك السيدة الحكيمة المكافحة تستحق كل رقة الدنيا ، فقد مشت معي كل الدروب وعاشت معي كل الأزمات وتخطت معي كل العقبات وهي تحافظ على رباطة جأشها وتماسكها وكرامتها وبأسها المقدود من صلابة السلط وشموخها.
عدت إلى البدايات، إلى أوّل التعب والمعاناة. فأحسست بالرضى ، وهطلت عليّ كالغمام الآية الكريمة : " ولسوف يعطيك ربك فترضى ..." فقد كافحت كما ينبغي لإبن الشيخ مونس اليافاوية الصلبة أن يكافح ، وتمكنت من أن تحافظ على طيبتك وان لا تفرط في عذوبتك وان تصون جذوة الوفاء وان تظل ودودا قدر المستطاع وان تمضي إلى أهدافك مستقيما وان تظل صادقا وان تكون أبا صالحا وزوجا محبا وصديقا وفيا.، ليس ما تخجل منه الآن وليس ما يخجل منه أبناؤك وبناتك وأحفادك غدا. فماذا بعد ، ماذا تريد أكثر مما حققت ؟؟!!
كنت اقترب من المستشفى وأنا أدلك منطقة الصدر تدليكا متواصلا خفيفا، وتلك الأشرطة الملونة القصيرة، تتدفق عليّ وتغمرني بآلاف الصور، عن مناطق وأناس وأحداث ومناسبات ووقائع، كنت أظن أنها ليست موجودة أو أنها طمست إلى الأبد.
وظللت أراوح بين اليقظة الضرورية للوصول إلى المستشفى والحالة الهلامية الضبابية التي غشيتني إلى أن تيقنت أنني وصلت قبل فوات الأوان! لقد رأيت المنية المحتومة تتراجع. ووجدت أعزائي والقلق يستبد بهم وهم حولي يغمرونني بالود والعطف والحنو ! لقد مرت العاصفة إذن !!
عندما استيقظت في المستشفى كنت محاطا بكل شيء. الأبناء والأصدقاء، وكان ذلك يكفي !! وكان كثيرا !!. لقد تلقيت مئات الاتصالات الهاتفية وكذلك زوجتي وأبنائي وأصهاري ومكتبي، من القارات الخمس اتصل الأصدقاء ! الحمد لله الحمد لله، أي فوز أكثر من نعمة الصحة والأصدقاء؟ كنت سيجن جنوني لو أنّ الهاتف لم يعلن عن أصدقاء يتصلون او يحضرون ملهوفين قلقين ضارعين إلى الله أن يسلم أخاهم وان يرعاه ؟؟
ما أجمل هذا الذي مررت به للمرة الأولى في حياتي ، تجربة وامتحان وابتلاء من ربي وخالقي وصاحب كل الفضل عليّ ، الله ، الذي احمده من جوارحي ، كلما انخرطت في صلاتي ، على نعمائه التي أفاض بها عليّ ، وأهمها نعمة الصحة ونعمة الأسرة المغرقة في الصدق والنزاهة ونعمة الأصدقاء الذين لا تقدر محبتهم وأخوتهم بمال الدنيا.
ونعود إلى التبريك لوكالة الأنباء الأردنية - بترا - بانجازاتها التي تفرحنا وتسر خواطرنا كمؤسسة وطنية أردنية متميزة . وأجدني أبارك لكوكبة من المدراء الذين تعاقبوا على إدارة الوكالة ومنهم : محمد الخطيب ، نصوح المجالي ، جواد مرقة ، المرحوم يوسف أبو ليل ، خالد محادين ، عبد الله العتوم وعمر عبندة وفيصل الشبول ورمضان الرواشدة اللذان نقلا وكالة الأنباء نقلة نوعية كبرى مستفيدين من التقنيات الرقمية الحديثة والانترنت وإمكانيات الاتصال الهائلة عبر العالم ومسخرين ابداعيهما ، بحيث تجد - بترا- وقد سجلت حضورا وتميزا في مواقع مختلفة من العالم بإمكانيات نعلم جميعا محدوديتها.