في الأيام القليلة المقبلة، ستتاح الفرصة للحكومة رئيسا ووزراء لتقديم شروحات أوسع وأشمل للنواب والرأي العام حول بيان طلب الثقة الذي عرضه الدكتور عمر الرزاز تحت القبة أول من أمس.
ثمة مسألة جوهرية ينبغي حسمها، وهي أن البيان المعروض هو برنامج مرحلة وليس برنامج حكومة مرشحة للبقاء في الدوار الرابع سنتين على أبعد تقدير، هذا إذا ما نالت ثقة النواب الأسبوع المقبل.
من المفيد أن الرزاز أعلن وبشكل تفصيلي مهمات حكومته للأيام المائة الأولى من عمرها. ومن المفيد أكثر التفكير لاحقا بعرض خطة عمل لسنة مالية مقبلة، فالإنجازات الممكنة ترتبط دوما بالمخصصات المالية المرصودة في الموازنة، وبهذه الوسيلة فقط يمكن قياس الأداء.
قال الرزاز، في بيانه، إنه ليس لديه حلول سحرية لمشاكل بلدنا المتراكمة، وهذا صحيح، وبكل الأحوال لا توجد هناك في الأصل حلول تهبط من السماء لمشاكلنا على الأرض. الحلول مرتبطة بالقدرات والإرادة وتوفر الأموال والإدارة الحصيفة، والخطط السليمة.
في مجال إصلاح التعليم، على سبيل المثال، هناك برنامج مرحلة يمتد على عشر سنوات، وفي إطاره خطة عمل سنوية تتضمن إنجاز مهمات محددة. هذا ما يجب ملاحظته لنميز بين مهمات الحكومة وبرنامج المرحلة.
وفي قطاع النقل، لا تستطيع الحكومة أن تنجز وعودها في سنة أو سنتين. المشاريع والأفكار المقترحة يحتاج تحقيقها لسنوات، لكن بالإمكان أن تعد الحكومة الناس بإنجاز المرحلة الأولى من الباص السريع مثلا بعد سنة من تاريخه، وهكذا الحال في جميع القطاعات.
الإصلاحات عموما لا يمكن تلمس أثرها بشكل فوري، بل يتطلب الأمر سنوات ليشعر الناس بالتغيير في حياتهم.
لا شك أن هناك قائمة مهمات عاجلة، تتطلب معالجة فورية من خلال قرارات سريعة وجريئة من الحكومة، لكن أثرها في العادة يزول بعد زوال المشكلة.
إن من بين الأسباب الرئيسية لتفاقم أزمة الثقة بين مؤسسات الدولة والمواطنين، المبالغة في رفع سقف التوقعات. لقد بلغ الأمر بأحد المسؤولين السابقين حد التعهد بإنجاز مشروع سكني ضخم في غضون أشهر، فماذا كانت النتيجة؟
وهناك عشرات الأمثلة على الوعود الكبيرة التي أطلقتها الحكومات ولم تنجزها، فارتدت عليها خيبة شعبية وتراجعا في الثقة والمصداقية.
حكومة الرزاز، وفق استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية الأخير تحوز على شعبية جيدة، لكنها شعبية قائمة على التوقعات والانطباعات، الصحيحة بلا شك عن شخصية الرئيس تحديدا، وبيانها لطلب الثقة بدأ وكأنه يحاكي الصورة في أذهان الناس. ما نخشاه أن يحدث سوء فهم، فيخلط الجمهور بين مهمات الحكومة وبرنامج المرحلة الذي تبنته، فتحاسب الحكومة على البرنامج لا المهمات السنوية، وعندها يحدث الانهيار في الشعبية.
ما من حكومة في العالم حتى المنتخبة انتخابا مباشرا من الشعب تحافظ على رصيدها من الشعبية بعد تسلم مسؤولياتها، لكن هناك فرقا بين أن تخسر شعبيتك بسبب سياساتك، وأن تخسرها لعدم مصداقيتك.
الغد