البيان الوزاري ودبلوماسية المكاشفة .. !!
د.طلال طلب الشرفات
10-07-2018 01:50 AM
في بيان الحكومة اليوم امام مجلس النواب نجح دولة الرئيس في تبديد المخاوف من عدم جدية الحكومة في معالجة الملفات والمحاور التي تعهدت بها الحكومة، فاللغة الهادئة المنطلقة من مصداقية واضحة تعززها مسيرة عمل انتهجها رئيس الحكومة طيلة اشغاله المواقع العامة منذ سنوات؛ ستسهل مهمة الرئيس في أخذ فرصة معقولة لأختبار نواياه وحكومته، وبدون ذلك تبقى طريقة ادارة الحراك الحكومي لنيل االثقة تجارب مكررة لثقة الحكومات السابقة وهي مسألة لا نتمنى تكرارها .
حكومة الرزاز التزمت اليوم بما لم تستطع حكومة سابقة الألتزام به، وخاصة في ملف تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد؛ اذ لم تتجرأ حكومة سابقة على الالتزام بآليات عمل للمساءلة في قانون الكسب غير المشروع وتعديل قانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، وقانون ديوان المحاسبة، بما يضمن تعزيز استقلاليتها وبما يحقق مساءلة فعلية للفاعلين على ارض الواقع، بعيداً عن عبارات التسويف التي لم تفضي الى شيء وتعهدات المنابر التي قتلت الثقة مع الناس وافرغت البيانات الوزارية من مضامينها .
كان واضحاً ان لدى الرجل رؤية واضحة وعملية لنقلة نوعية شاملة في مجال تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد وتكريس مبدأ سيادة القانون مسلحة بأيمان عميق وثقة بالنفس ترتكز على الأجراءات التالية :-
1- تعديل قانون النزاهة ومكافحة الفساد بما يشمل اعادة تحصين مجلس الهيئة من الاحالة والأقالة، وأعادة الصلاحيات المصادرة منها بموجب القانون الحالي؛ بما في ذلك الاحتفاظ بالمشتكى عليه، والمنع من السفر، والتفتيش، وعدد اعضاء مجلس الهيئة، والنص على عدم تقادم جرائم الفساد، وحصر التحقيق في قضايا الفساد في الهيئة وازالة التناقض والازدواجية في التحقيق والاحالة الذي ما زال يعتري أجراءات المتابعة والتحقيق مما يربك عمل الهيئة والقضاء على حدٍ سواء .
2- تعديل قانون الكسب غير المشروع، وقانون الهيئة، بما يمكن الهيئة من متابعة نمو الثروة للقائمين على الموقع العام، او من هو في حكمه وفقاً للمعايير الدولية، وبما لا يخرق المبادئ الاساسية المعمول بها في تتبع المال المتحصل من الفساد او البحث في مدى مشروعيته.
3- ترسيخ مفهوم حق الحصول على المعلومة؛ لأن في ذلك رقابة اضافية على المال العام، والثقة العامة، وعلى ان يرافق ذلك ترسيخ دور اعلام الدولة الذي يرسخ اركان الدولة وهويتها ومصالحها العليا.
4- ربط النزاهة وتعزيز سيادة القانون بالأصلاح السياسي والأداري، وهذا يعبر عن رؤية ثاقبة وادراك جاد لمتطلبات حماية المال العام، والثقة العامة، وربطها بالتنمية السياسية وتعزيز الرقابة الشعبية في مؤسسة البرلمان، مما يتطلب اعتبار جرائم الانتخاب من جرائم الفساد لمحاربة المال الأسود في الأنتخابات بشتى انواعها وطرقها ومستوياتها .
5- حرص الحكومة على ربط النزاهة، والوقاية، ومكافحة الفساد، وسيادة القانون بالأصلاح المالي والاقتصادي والضريبي؛ لأنه لا يمكن تحقيق ذلك الا بالعدالة والمساواة، وتكافؤ الفرص في الحقوق والواجبات، فالأحتجاجات التي رافقت مشروع قانون ضريبة الدخل كان ناجماً عن تحالف الطبقة الوسطى في النقابات مع رأس المال، مما يستدعي وضع ضوابط دقيقة لتحديد طبيعة وطريقة تحصيل متطلبات الوعاء الضريبي ومشتملاته بدقة .
6- ويبدو ان الحكومة تدرك ان ثمة علاقة متشابكة ما بين تعزيز الأستثمار، ومتطلبات النزاهة، والشفافية، وسيادة القانون من حيث الاستقرار التشريعي والقضائي، وان من مؤشرات تراجع موقع الأردن في معايير منظمة الشفافية العالمية في السنتين الاخيرتين هو تراجع آفاق الأستثمار والبيئة الحاضنة له ومتطلبات اٍنجاحه في تحقيق التنمية المنشوده.
ومما لاشك فيه ان نية الحكومة في تنفيذ ما التزمت به في بيانها الوزاري مرتبط الى حدٍ كبير بضرورة ايمان اللجنة القانونية الوزارية وخبراء ديوان الرأي والتشريع فيما تعهد به دولة الرئيس في هذا الشأن؛ اذ سبق ان تم مصادرة الكثير من استقلال الهيئة وصلاحياتها وتقليم اظافرها من خلال صياغات تشريعية اجهزت على مضامين مهمة دون ان يتنبه لها البرلمان، او بالأدق لم يكن معنياً بالانتباه وقتذاك، والسبب ان المحافظين الجدد الذين يديرون عجلة التشريع في الحكومة، ولجان البرلمان وقبلهم ديوان التشريع يهدفون الى تكريس سلطة الحكومة على المؤسسات الرقابية باٍيماءات لا يغيب عنها الأحتراف في الصياغة واٍقناع البرلمان ووسائل اخرى .
على الحكومة ان ارادت ان تنفذ التزامها امام مجلس النواب ان تستمع الى منظمات المجتمع المدني وخبراء الشفافية وسيادة القانون وان يقتصر دور اللجنة القانونية الوزارية على تنفيذ وصياغة متطلبات تعزيز استقلال المؤسسات الرقابية دون اجهاد للنصوص او اجتهاد يعيدنا الى المربع الاول وخاصة عند الحديث عن الضبط ومنع السفر ومراقبة نمو الثروة في قانون الكسب غير المشروع .
هل ستنجح الحكومة بأحداث نقلة نوعية في تعزيز النزاهة وسيادة القانون وترسيخ سلطة وهيبة المؤسسات الرقابية وفق المعايير الدولية ام انها ستبقي الحال على ما هو عليه ، الكرة في مرمى دولة الرئيس واظنه سيفعل وسينجح ، فعلى هذه الأرض المباركة دائماً ما يستحق الحياة .....!