مفبركة، مؤامرة كونية، الشرق الأوسط الجديد، الحفاظ على الدولة، الخريف العربي والى اخر ذلك من قاموس ليس له نهاية، تلك تعابير عايشناها في كل لحظة منذ بدء الربيع العربي للدرجة التي أوصلتنا الى مرحلة نهذي بها من كثر ما كررت.
لكن بالرغم من أهمية جميع تلك التعابير ومقدرتها على استحواذ الرأي العام ولكنها بقيت قابلة للأخذ والرد والنقاش المتبادل والمتراوح بين القبول من عدمه.
إلا تعبير واحد (مفبرك) هذا التعبير الذي أُسقط على كل الأخبار سواء المكتوبة او المُشاهدة والتي تحاول ان تنقل بالخبر او الصورة بشكل لا يتوافق مع الرواية الرسمية، وترافق مع تعبير (المأجور) فأصبح حين الدمج، ( إما القنوات المأجورة او الصحف المأجورة) وبالطبع أسقطت على هذه الصحف او القنوات مقدرة خرافية تحتاج هوليود عقود كي تصل لمستواها لتنتج حدثاً بهذه الحرفية والمقدرة العالية من الإخراج والدقة.
وكذا الامر انطبق على الصحف والمواقع الالكترونية، ولكي تكتمل الصورة أنشئت قنوات ومواقع وصحف كانت مهمتها الرئيسية تفنيد ما ذُكر ونفيه وجعله جزئاً من مؤامرة كبرى غايتها النيل من الصمود، لأجل ذلك وظف عدد كبير ممن يدعون انهم مثقفون حريصون على مصلحة الاًمة والاوطان يقفون في وجه الخيانة الكبرى، وهؤلاء غالباً مستحثاتقومجية او يسارية او عائدون الى حضن الاوطان والنظام بعد خيانتهم السابقة بمحاولة المطالبة بحق شعوبهم.
هم ادركوا الان خطيئتهم وعادوا لحضن نظامهم الحنون ليقوموا بواجبهم الوطني والقومي، كل ذلك أوجد ما يشبه النصف حقيقة، فعندما تقرأ او تشاهد حدثاً كمواطن عادي مثلاً، منظر طفل يحترق وأخر ينزف ومنزل مهدم وحالة من الفوضى العامة من الدم والدخان والغبار، لا ينشغل حس المتلقي بحجم المأساة الانسانية التي يحملها المشهد ولا قسوة من فعله وجبروته ولا انسانيته، بل ينشغل فوراً بالسؤال هل هذا المشهد حقيقي ام مفبرك؟ هنا تسقط قساوة الحدث امام خُبت ولؤم صانعي السؤال.
وكي يحصل المشاهد على اجابة اوفى يحاول ان يُقلب القنوات او المواقع وفجأة وبسرعة غير متوقعة يحصل على ضالته فهاهو المذيع ورجل متأنق يفقه في كل شيء يضع الخارطة أمامه وأسواق العالم ويتحدث بثقة ومعرفة لا حدود لها ان هذه الفبركة أتت في الوقت الذي يمُر فيه سوق معين في مكان معين في زمناً هلامي معين.
كي تنقذ الوضع هناك لذلك صُنع هذا المشهد صنعاً بليغ الدقة لينقذ الوضع المتردي هناك، وهنا بالضبط يشعر المشاهد المسكين بهول المؤامرة، ولكن يبقى في نفسه شيئاً، من حتى فيعود من جديد فيجد المحطة الاخرى تتحدث بعكس ذلك، فيبقى يقلب ويقلب ولا يحصل الا على نصف خبر ونصف حقيقة.
وبالتالي نصف موقف الى ان يصل به الامر انه لن يصدق احد ويغلق عقله وقلبه على كل خبر، ويبقى الركام والجثث ونهايات الأرواح المحتضرة تسرح في عذابات المكان بدون صداً او جواب، وتصبح الحالة نمطية ولا من يحرك ساكن، وأسواء ما في الامر انه يصبح اعتيادياً، لا بل يصبح القائد القاتل مدافعاً عن كرامة الاًمة ورمزاً لمقاومتها، طالما انه ونظامه وجد من يهمش الصورة الحقيقية بل ويهشمها ويرسم مكانها صورة اخرى لمُتَخيل مشرق لا وجود له.
ويبقى وتبقى الجثث والدمار والمكان الملوث بغبار الموت، ولكن لمن أراد تبقى الحقيقة واضحة جلية ليست بحاجة لتفنيد او الاثبات فتكفي نظرة واحدة للسماء لترى الصواريخ العمياء تتساقط على الارض والمباني وبدون شك فإنها حين وصولها لن تجد سوى الاطفال والنساء وربما مقاتلين حالمين، ستكفي لحظتها كاميرا اسود وابيض لتنقل مشهد أشد دموية ولن يكون الامر بحاجة لقنوات او فبركة كي يصل الوقع الاليم لهذا المنظر.
نعم نجحوا في خلق مشاهداً محايد ولكن الى متى، لن نحصل على الإجابة الا حين نرى من فُبركت عقولهم خلف قضبان الحقيقة ومقصلة الشعوب المسحوقة، الى ذلك الحين يعلم الله كم مدينة ستسوى بالأرض وكم روحاً ستزهق؟ ولكن ستكون الفبركة عنواناً لمرحلة كان وقودها الأجساد والأرواح.