لنعترف بأننا خدعنا حيال ما جرى ويجرى في سوريا طوال سبع سنين، ودخلنا متاهة الخلط العبثي في اللغة والتوصيف والتقييم السياسي بين مصطلح الثورة ومصطلح "قلب نظام الحكم" بالأدوات العنفية والإرهابية، ودخلنا في مهاترات لها أول وليس لها آخر بشان ما يجرى في سوريا وهل هي ثورة على"نظام استبدادي" أم هو "إرهاب خارجي بأدوات محلية وإقليمية"، واندفع عدد لا يستهان به من الكتاب والمعلقين السياسيين والمفكرين إلى الاعتقاد بان ما يجرى هو ثورة يراد منها إزالة الظلم وبناء نظام ديمقراطي، وأنا شخصيا اعترف انه وخلال الأشهر الأولى من عمر الاحتجاجات السلمية التي ملأت ساحات المدن السورية كنت احمل هذه القناعة حيال ما يجرى لدى الأشقاء السوريين وخُدعت كغيري من ملايين العرب وغير العرب الذي اعتقدوا أن"الديمقراطية" هي أهم من الأمن والاستقرار وحماية المصالح الوطنية العليا.
لقد ساهمت السمعة السيئة للنظام السوري في سجل حقوق الإنسان في تسهيل ونشر هذه الخديعة، وحاصرت تفكيرنا في إطار أحادي عقيم ووفق المعادلة القائلة إما تكون مع النظام أو مع"الثوار"وحتى بعد أن بدأت تظهرملامح الصورة الحقيقية للمشهد واقصد هنا حجم التدخلات الخارجية المهول في صناعة "الديمقراطية في سوريا" وبخاصة من قبل دول وأنظمة متحجرة لم تؤمن يوما بالديموقراطية ولم تراع بالمطلق حقوق الإنسان، بقينا عاجزين عن مواجهة حقائق الأمور ومن أهم هذه الحقائق أن المستهدف في كل الفوضى التي عاشتها سوريا وشعبها هي الدولة السورية ذاتها وليس النظام الحاكم، والفرق كبير في التشخيص والنتائج بين الحالتين، فالنظام هو تعبير سياسي عن مصالح طبقة أو فئة أو طائفة بعينها أو مراكز قوى في المجتمع يعمل على خدمتها والدفاع عنها، أما الدولة فهي حالة شاملة للمواطنة ورصيد دائم لكل مواطن، وعندما نقول الدولة السورية هي المستهدفة ولأسباب معروفة لا مجال لذكرها الآن فهذا يعني أن كل ما هو على الأرض السورية هو مستهدف بمعنى الوطن السوري ذاته هو المستهدف، وهذه حقيقة لمسناها وعشناها مع التجربة العراقية بعد الاحتلال الأميركي للعراق حيث اثبت هذا الاحتلال انه لم يكن يعنيه بالمطلق لا إقامة نظام ديمقراطي في العراق ولا تدمير أسلحة دمار شامل ولاحماية حقوق الإنسان بعد أن بات العراق اليوم وبفضل "الفوضى الخلاقة والمدمرة"من أكثر أماكن العيش صعوبة، ومن أكثر البلدان فسادا وعاد إلى الوراء وبسرعة لأكثر من قرن من الزمان.
هذا تماما ما خُطط لسوريا، وتحديدا إنهاء الدولة السورية وتقسيم ترابها الوطني وفق محددات طائفية وقومية وهو أيضا ذات المخطط الذي تم إفشاله في مصر والذي تستر وتسلل باسم الثورة و"الربيع العربي"، وهو المخطط الذي تحدث عنه بن غوريون مع بدايات دولة الاحتلال حيث قال" قوتنا ليست في سلاحنا النووي بل في تدمير وتفتيت ثلاث دول كبرى حولنا العراق، سوريا ومصر إلى دويلات متناحرة على أسس دينية وطائفية، ونجاحنا لا يعتمد على ذكائنا بقدر ما يعتمد على غباء الطرف الآخر"!!
يهمنا في الأردن ومن باب مصلحتنا الوطنية والقومية أن تتعافى الدولة السورية وان تفتح الحدود وان يتوقف القتل واللجوء، فلم يكن الأردن في أي يوم من الأيام ورغم حجم الخلافات السياسية الكبيرة مع النظام السوري ينظر لسوريا على أنها دولة معادية أو يسعى لتحويلها إلى دولة معادية.
الرأي