نزع الصاعق وإحباط المؤامرة
أحمد فهيم
08-07-2018 03:40 PM
مخطئ من يظن أن الأردن كان نائما على أذنه خلال السبع العجاف من عمر النزاع السوري الدامي، فثمة عيون ساهرة كانت تنشط في العمق وترصد الخطر في أرضه وتعمل على وأده في مهده قبل أن يصل إلينا أو حتى يقترب منا، تماما كما كانت تفعل ضمن الحالة العراقية خلال سنين الفوضى الطوال. عيون ساهرة أدركت حجم التناقضات والمؤامرات الإقليمية وعمليات السمسرة التي تجري خلف حدودنا الشمالية، فحافظت على موقعها من الإعراب كفاعل وليس كمفعول به أو لا محل له من الأعراب كما هو حال الكثيرين من دول المنطقة، وقد ظهرت اليد الأردنية الطولى في أعلى تجلياتها خلال حرب الجنوب السوري الأخيرة.
لقد تنبأ الملك عبدالله الثاني منذ بداية الثورة بأن النزاع في الجارة الشمالية سيكون طويل الأمد وهو ما حصل بالفعل، وما زلنا نذكر جيدا ما قاله جلالته في أبريل الماضي خلال اجتماعه بعدد من القيادات الإعلامية المحلية حين وعد بأن الأردن "لن يسمح للتطورات الحاصلة على الساحة السورية وتحديدا في جنوب سوريا أن تشكل تهديدا على أمن البلاد" وأضاف صادق الوعد "سنستمر بالدفاع في العمق، دون الحاجة لتوغل الجيش الأردني داخل سوريا، ولدينا كامل القدرة والأدوات المختلفة للتعامل مع أي مستجد حسب أولوياتنا ومصالحنا".
لقد استطاع الأردن بنجاح خلال الجولة الأخيرة من النزاع المسلح في الجنوب السوري أن ينزع الصاعق ويزيل الخطر ويحبط مؤامرة كانت تتهدد أمنه واستقراره، وتسعى لابتزازه ضمن محاولة بائسة لانتزاع مواقف سياسية منه عبر مسارات إقليمية ودولية ساخنة، فالوساطة التي لعبها الأردن للحؤول دون استمرار الحرب قرب شريطه الحدودي، أثبتت بالفعل أن لديه أدوات في العمق كما قال جلالة الملك العام الماضي، وأثبتت أنه رقم صعب في المعادلة الإقليمية، ولديه من النفوذ ما يكفي للدفاع عن مصالحه العليا دون الحاجة إلى خدمات ما كانت تعرف بتنسيقية أو غرفة (الموك) وبأقل الخسائر الأمنية والسياسية، حيث استطاع الأردن أن يقلب السحر على الساحر ويبطل مخططات قوى الشر الرامية إلى دفع المسلحين للهرب صوب أراضيه، رغم تخلي حلفائه الذين التزموا الصمت بينما كانت موجة التهجير القسرية الأخيرة تزحف باتجاهه والقذائف الطائشة أو الاستفزازية تسقط فوق أراضيه، وقد ظهرت هذه النوايا الخبيثة صراحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي في تعليقات التيوس المستعارة من المزهوين بنصر لم يصنعوه، كقرعة تتباهى بشعر ابنة أختها.
وعلى المستوى السياسي والدبلوماسي لم يقطع الأردن شعرة معاوية مع النظام السوري، بينما كانت تصريحات التشبيح والتهديد تصدر ليل نهار عن أركان هذا النظام فاقد الشرعية، مع أنه (أي الأردن) قام بواجب الأسد وحلفائه وواجب العالم أجمع في حماية المدنيين العزل وإيوائهم على أراضيه متحديا ظروفه الاقتصادية الصعبة، والمحاولات البائسة لتجويعه وتركيعه ثم توقيعه، واستمر في القيام بدوره الإنساني والأخلاقي حتى خلال الأزمة الأخيرة حين استبسل في إيصال المساعدات الإغاثية للنازحين السوريين داخل أراضيهم، وكان الأجدى بمطايا الاحتلال الروسي والإيراني أن يشكروا الأردن على دوره التاريخي العظيم تجاه رعاياهم ومدنييهم بدلا من التهديد بتوسيع فتوحات محتليهم صوب الأردن، تماما كما كان يفترض ببعض المنظمات الدولية لحقوق الإنسان فعله بدلا من سكب دموع التماسيح على نساء وشيوخ وأطفال لم تفعل لهم هذه المنظمات شيئا طيلة سنوات الصراع سوى بيع الكلام وبيانات الشجب والاستنكار.
خلاصة القول إن المملكة مازالت تبلي بلاء حسنا في إدارة ملف السياسة الخارجية بكل حكمة وحنكة وفروسية، ولو قدر لملف السياسة الداخلية أن يدار وفق ذات النهج العبقري لكنا الآن في موقع آخر على خارطة المشهد الإقليمي والدولي.