يقضي جلالة الملك هذه الأيام إجازته السنوية،التي نعرف توقيتها كل عام، في الولايات المتحدة، بعد إجتماع القمة التي عقدها مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهو يتابع مباشرة من هناك كل صغيرة وكبيرة في داخل الوطن، حيث ناقش في زيارته الرسمية أكثر المواضيع حساسية ومصيرية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، و العربي العربي،و نتائجه الكارثية على السلم الأهلي في العديد من الدول العربية،وكان قد سبق ذلك وتلاها إجتماعات لجلالته مع مسؤولين أميركيين و قيادات من غرفتي الكونغرس وأقطابا من منظري السياسة الأميركية الخارجية، حيث خرج الملك من العاصمة الأميركية مرتاحا لنتائج المباحثات وأكثر إيمانا بموقفه من المصلحة الوطنية الأردنية والقضية الفلسطينية.
يأتي هذا ايضا بعد عام حافل من شدّ الأعصاب السياسية نتيجة تداعيات صفقة القرن و ملف القدس، فضلا عن الأزمة العابرة المناوئة لحكومة هاني الملقي التي أطاح بها الملك واستخلفها بالدكتور عمر الرزاز الذي بدأ عهده بالإلتصاق مع قضايا الشارع، وانتهج طريقا سهلا نحو مطالب شرائح المجتمع، كشفت سوء عقلية الأسلاف من الرؤساء الذين لم يكونوا ليفهموا كيف يبسّطون الإجراءات ويتوقفون عن تعقيد الإجراءات بلا داع، حتى أن الرئيس الرزاز ولأول مرة في عهد الحكومات يشرف " كرئيس حكومة" على قريب من خطوط النار الحربية في شمال المملكة، ويتابع الإجراءات بحضور القيادات العسكرية والإدارة المدنية.
ومن هناك حيث الجنوب السوري ظهر جليا للقيادة مسبقا، أن لا مفر من إنهاء أسباب الصراع الحربي على حدودنا الشمالية بغض النظر عن النتيجة ، فأي تهديد أمني محاذ للحدود الأردنية هو خطر متوقع في أي لحظة ، ونظرا للهجوم الكاسح للجيش السوري والروسي لاستعادة الجنوب، فقد بات الأردن يلعب دورا واحدا على الجبهة الجنوبية للصراع السوري ، وهي الحفاظ على سلامة وأمن المدنيين السوريين في محافظات الجنوب السوري، ولهذا اتخذ قراره الصعب بإغلاق الحدود، والإستعاضة بإقامة منطقة إسعاف وإغاثة لنازحي الجنوب على الأرض السورية ، وهي المهمة الوحيدة التي لم يكن لأي دولة جهد فيها ولا للأمم المتحدة حتى، وهذا كان أحد توجيهات الملك لمساعدة الأشقاء المدنيين هناك.
في الأردن تلعب مؤسسات الدولة ، الحكومة والجيش والمؤسسة الأمنية، دورا كبيرا ومعقدا وغير ظاهر بشكل كبير للعامة ، وهذا لا يمكن لأبناء الصحافة الخارجية الممولة من جبهات الصراع السياسي العربي أن يفهموه ، فنظرتهم لا تتسع أكثر من حجم " الشيك " أو خارطة الدولار والباوند.
وبالنسبة لهم فالتحويلات المالية أهم من التحولات السياسية في العالم العربي، ومن هناك حيث قاعات الفنادق العتيقة تتسع للكثير من الزبائن ، يطلق البعض منهم لسانه وتوجيهاته في الغمز واللمز تارة، والتشكيك والتأليب والتسخيف تارة أخرى ضد كل الجهود التي يلعبها الأردن وقيادته ، للتخفيف من آثار العواصف التي لا يمكن مواجهتها ، وهم بذلك أشبه بمن يشرب الكأس في حوض" الجاكوزي" ويشكو حال أهله الساكنين خيمة مرقعة في عرض الصحراء.
في كل عام لنا حكاية جديدة مع الصراع النفسي للعديد من الدول وأتباعهم من المتقولين، حيث يطلقون إشاعاتهم بطرق مختلفة وقصص جديدة لتتزامن مع أي أزمة خارجية تحيط ببلدنا ، حيث ينسجون سيناريوهات ويؤلفون روايات سخيفة ، في محاولة لتثبيط همة الأردنيين من مختلف منابتهم ومشاربهم، ولأن الرئيس السوري بشار الأسد قد أثبت لهم أن الصمود على الخطأ يمكن أن ينجح حتى على حساب نصف مليون قتيل، فهم يتمنون المزيد من الصراعات في العالم العربي لأنها البقرة الحلوب التي يمصون ضرعه.
الدولة الأردنية ثابتة ، ومؤسسة الحكم إحدى ثوابتها، والسلم الأهلي وتكاتف الجميع هو إكسير حياتها، والأزمات الإقتصادية باتت كمواسم الإنفلونزا تطرحنا ونتعالج منها، وستبقى أبوابنا مفتوحة لكل الأشقاء ، فليس نحن من نطرد الضيف والجار شريطة حفاظ أمننا الذي هو أساس إستقرارنا، وستبقى القدس والشعب الفلسطيني ثاني اثنين في عقيدتنا ، وأي روايات ليلية تشكك في استقرارنا السياسي ومواقفنا الثابتة هي أحلام شياطين مرجفة.
الأردن باق على عهده لا تهزه التخريصات، وعلى الأردنيين أن يؤمنوا بأنفسهم أكثر من إيمانهم بأحلام و"خراريف" الهاربين من بلادهم الى أحضان الغرب الذي يشتمونه وهم يعيشون فيه.
الرأي