إسحق الفرحان وأثر تغيير المناهج على هوية الأمة
الدكتور موسى الرحامنة
06-07-2018 07:47 PM
رحم الله هذا الطود التربوي الشامخ، الذي ترك بصمة في أجيال تترى ليس في الأردن وحسب بل في سائر البلاد العربية والإسلامية.
رحل إبن عين كارم بعد أن ترك في الذاكرة الوطنية صورة التربوي الحر الحريص على غرس قيم وثوابت الأمة العربية والأسلامية يوم كان معلما يضرب أروع الأمثلة في صناعة جيل قادر على مواجهة التحديات.
رحل الفرحان السياسي الذي لم يتلون كالحرباء ولم يكن من ذوات الوجهين وهو الذي عرج على كثير من مواقع السلطة والمسؤولية فكان عضوا في أول مجلس إستشاري عام 1978 ووزيرا للتربية في حكومة وصفي الأخيرة ورئيسا للجامعة الأردنية وأمينا عاما لجبهة العمل الإسلامي ونائبا وعينا ورئيسا لجامعة الزرقاء الأهلية.
رحل الرجل الذي نبه في وقت مبكر إلى خطورة العبث في مناهج التعليم على مستقبل وهوية الأمة وهو صاحب الخبرة والباع الأطول في مضمار تطوير المناهج التربوية بما يخدم مستقبل الأمة وهو الذي قال : " إذا أردت أن تطمئن على مستقبل الأمة فأدخل إلى قاعة التدريس في المدرسة والجامعة".
لقد آمن إسحق الفرحان أن عملية تطوير المناهج ليست قرارا وحسب كما أنها ينبغي أن لا تكون إستجابة لضغوط خارجية وأنها ليست مسألة تبديل أو تغيير أو تعديل فقط بل هي عملية تقتضيها مصلحة الأمة وبما يواكب العصر من غير تفريط بقيم وثوابت وأخلاق الأمة وهي عنده أيضاً ليست خاطفة وسريعة بل تحتاج إلى تأمل وتريث من غير إفراط أو تفريط فقد قاد رحمه الله فريق تطوير المناهج التربوية في الأردن وفلسطين عام 1962 والتي إستغرقت ثماني سنوات حتى عام 1970 وبأشراف الأمير الحسن بن طلال.
وبعد حقبة الثماني سنوات التي إستغرقتها رحلة تطوير المناهج التربوية فقد ركزت على غرس الوعي في نفوس النشئ من خلال نشر ثقافة الجهاد ضد المحتل والغازي وتعزيز ثقافة الممانعة وعدم التفريط في الحقوق، وغرس مفاهيم الانتماء للوطن والأمة، وإعتبار القضية الفلسطينية هي قضية العرب والمسلمين الأولى، وإن واجب الدفاع عنها فرض على كل مسلم، وكلنا يذكر هذه المناهج الجميلة التي إندثرت تحت أقدام الغزاة فأين توارى منهاج القضية الفلسطينية!؟ وكذلك منهاج المجتمع العربي وغيره...
لقد آمن إسحق الفرحان بأن تطوير المناهج الذي يخدم مستقبل الأمة هو الذي يعظم القواسم المشتركة بين البلاد العربية حتى تستهدف معركة التطوير الدفاع عن الثقافة العربية كمنظومة مشتركة.
لقد تخرج رحمه الله في مطلع الستينيات من جامعة كولومبيا الأمريكية في مرحلتي الماجستير والدكتوراة في حقل أصول التربية وقد رأى بأم عينه كيف تنشر الولايات المتحدة الأمريكية ثقافتها من خلال المساقات الإجبارية التي تفرض على كل الدارسين في جامعاتها بغية نشر الثقافة الأمريكية على أوسع نطاق.
وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تغير وجه العالم ليصبح أكثر سماجة، لتبدأ الحملة الأمريكية الصهيونية المسعورة التي تستهدف تغيير الثقافة العربية ونسف منظومة القيم التربوية وتعالت الدعوات الأمريكية لتغيير المناهج التربوية في المدارس والجامعات العربية والإسلامية وانقسم العالم العربي بين مؤيد ومعارض حيال هذه الدعوات.
لا بل أن هناك من إستجاب فوراً لمثل هذه الضغوطات والوصفات وتنازل عن مصفوفة القيم التربوية بقرار عاجل خشية أن يكون رأسه من بين الرؤوس التي أينعت.
رحم الله إسحق الفرحان الذي تفقده الأمة بأسرها، يفقده الأهل في سلطنة عمان حين كان يرأس في سبعينات القرن الماضي لجنة رفيعة تضم نخبة من التربويين الأخيار لتطوير المناهج التربوية والتعليمية على مدار ست سنوات.
يرحل إسحق الفرحان وفي حلقه غصة على حال المناهج التربوية في بلاد العرب أوطاني، بعد أن أضحى التطوير كلمة حق أريد بها باطل لا بل تحمل في ثناياها معاني التخريب والتدمير وتمييع الأجيال والسير بها نحو مصير مجهول.
يرحل إسحق الفرحان ويحز في نفسه كما في نفس كل حر أبي كيف تحول مصطلح الممانعة الذي يعني التشبث بالثوابت النبيلة إلى صورة من صور التطرف والغلو، وكيف تحول مصطلح الجهاد الذي هو ركن من أركان الأسلام بل ذروة سنامه إلى إرهاب وعنف، وكيف تحول الإنتماء الوطني إلى خيانة.
رحم الله رجالا كانوا بحجم التحدي كأمثال صاحبنا إسحق الفرحان رحمة الله عليه.