خذ مثلا شارع «الجاردنز» إسمه الرسمي شارع الشهيد وصفي التل , دع عنك الإسم الرسمي فهو أكبر من أن يخلده شارع ويكفي أن صاحبه شهيد، على أنني سأعلق على الإسم الدارج وهو «الجاردنز» وترجمته شارع البساتين , أذكر هنا تعليق طريف للفنان الرائع هشام يانس , في واحدة من مسرحياته الهزلية , إذ قال تعالوا الى شارع البساتين , وإذ به شارع للحفر والمطبات , والنفخ المستمر للعوادم من مؤخرات السيارات والشاحنات والبكبات والباصات صغيرها وكبيرها و تغطيه مثل قبة غمام لكنه أسود أو رمادي مشبع بالروائح الكريهة تضيق بها الأنفاس , ولا تخرج منه بعد أزمة خانقة ومطبقة على كلا مسربيه إلا بشق النفس وبلون بشرة رمادي هي غير كل ألوان البشر المعروفة , بيضاء وقمحية وسوداء وصفراء , هنيئا لشارع الباستين « الجاردنز « فقد منح البشرية لونا جديدا .
تأخذنا الجولة الى حدائق الملك عبداالله الأول , في شارع وادي صقرة , هي ليست حدائق أبدا , فمن حيث الخضرة ما هي إلا أعمدة مصطفة من الخرسان لا تجوز عليها تسميتها بالحدائق ولا يجوز حتى أن نعتبرها حدائق معلقة , وفي الحقيقة لم أتبين بعد عقود على بنائها أية هوية لها أهي حديقة أم حراج للسيارات أم مخازن . لا أعرف ربما تكون صوامع لتخزين الحبوب , لكنها ليست حدائق بالمرة .
ها نحن نقف أمام ضاحية الياسمين في عمان الشرقية , أين هو شجر الياسمين الذي يفترض أنها قد أخذت الإسم عنه , وهكذا يكاد ذلك ينطبق على غالبية أسماء الأحياء والشوارع في عمان , ومن ذلك شارع المدينة المنورة , فلا علاقة له بمدينة ولا بنور , هو شارع مليء بالمطاعم , أجاز لرواده والمارين عبره إطلاق إسم شارع الجوع أو الجوعانين عليه تهكما.
• ليس حقا لنا .
جلس في مواجهة الشاشة الفضية , ولمن لا يعرف فهذا هو الإسم الفصيح للتلفزيون فالشاشة الذهبية هي السينما , المهم أن صديقنا جلس يبحلق في شاشة التلفزيون وقد كانت مباراة لكرة القدم في سياق كأس العالم دائرة , وفريقه المفضل « الأرجنتين « يتراجع , وهو يلعن ويشتم الحظ , فاللاعبين لا لوم عليهم ولا تثريب , لكنه الحظ , ليس هذا كله مهما , تكهرب صاحبنا فجأة وجحظت عيناه وتسمر عند اللحظة التي كانت برأيه فارقة تماما , عندما أعلن المعلق بصوته الهدار , خروج الأرجنتين ياسادة من المونديال يعني خسارتنا لجماهيره التي تملأ الملعب بأغانيها وأفراحها سواء فاز فريقها أم خسر , هذه هي نكهة كأس العالم , المونديال من دون جمهور الأرجنتين لا يساوي شيئا .
مر التعليق بسلام إلا أنه علق في أذن صاحبنا وكل ما إستطاع أن يعلق به , هو «عالم فاضية لا هم دنيا ولا آخرة» فاضين فقط لكرة القدم , هذه ملهاة , يلعن أبو الإستعمار والدول الكبرى , هذه مؤامرة على الشعوب الغلبانة والمسحوقة , يرمون بهم الى ملهاة كرة القدم ويخططون في الأثناء لسرقة العالم والتحكم به , يلعن أبو الدول المتآمرة , والمشكلة أن هذه الشعوب تصدق وتغرق في معمعة كرة القدم .
أسوأ ما يمكن أن نفعله نحن العرب في هذا المكان الضيق من العالم هو أن نجلب هذه الشعوب لتجلس على مقاعدنا وتفكر بعقولنا وتنظر بأعيننا , ونعتقد أن همومهم هي همومنا أو أنها يجب أن تكون كذلك ونظن أن ما يحيط بنا يحيط بهم , والأسوأ أن نعتقد أنهم مشغولون بنا وبهمومنا .
يا هذا قف , هذه شعوب , ليس عندها قضية بلد محتل وليس عنده قضية بلد يأكل بعضه بعضا وليس في جوارهم حرب وعن يمينهم حرب وعن شمالهم حرب , قضيتهم هي الترفيه وحب الحياة , هم سبوقنا في المرور بالإختبار , ذاقوا مرارته بما يكفي وقرروا أن يخرجوا من عنق الزجاجة , نعم قضية الفوز في مباراة هي قضيتهم الأولى كما الحرية والمتعة والترفيه بعد أن تكون أقدامهم وأيديهم قد فرغت من معركة الإنتاج في ذلك النهار .
الرأي