كنا نعرف سلفا أن معركة الجنوب السوري ستقع حتما، وكان القرار أنها إذا وقعت فإن الأردن لن يفتح حدوده للنازحين السوريين من مناطق القتال، ليس لأنه تحمل فوق طاقته في إيواء من لجأوا إليه من بداية الأزمة السورية وحسب، بل لأن المنطقة التي نزح إليها السوريون على الحدود المشتركة آمنة، ويمكن مساعدتهم قدر الإمكان لتجاوز هذه المرحلة من الصراع في سوريا، ويمكن كذلك وضع الأطراف المعنية في ذلك الصراع، والمجتمع الدولي أمام مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية.
موقف واضح، تضافرت حوله الجهود، وأظهر الأردن حكومة وشعبا مرة أخرى أنه في طليعة من ساعد الشعب السوري الشقيق ووقف إلى جانبه في محنته، مبرهنًا عن قيمه ومبادئه وانتمائه القوي الصادق، وغير آبه بما يتعرض له من ظلم وتشويه وادعاءات وقحة من أولئك الذين اعتادوا على تحميل أخطائهم لغيرهم، وإزاحة المسؤولية عن أكتافهم، ليظهروا بمظهر الصياد الذي أدمع التراب عينيه وهو يذبح الطيور.
وحسنا فعل رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز أنه ذهب وسط الأزمة إلى هناك ليقف على الحدود، ويعلن موقف الدولة، وخطة الحكومة في التعامل مع الموقف، وحسنا فعلت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الناطق الرسمي السيدة جمانة غنيمات، أن تحدثت لوسائل الإعلام من الميدان بلا تحضير ولا تنميق، في مشهد يفهم فيه الحاضرون معنى وجود وزير الداخلية، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، وقادة الأجهزة الأمنية لتكون الرسالة واضحة في التمييز بين الحالة الإنسانية، والاحتياطات الأمنية الواجبة تجاه العناصر الإرهابية التي يمكن أن تتسرب إلى الأردن مستغلة زحمة اللجوء.
وفي المقابل علينا أن نتذكر بأن الأردن معني بالوضع القائم في الجنوب السوري، بحكم أنه جزء من المعادلة الثلاثية التي تضم كذلك أمريكا وروسيا، الهادفة إلى خفض التصعيد، ذلك الوضع الذي تغير الآن بصورة تنطوي على قدر من التهديد لأمن الأردن، ما لم يتخذ القرارات الصحيحة التي تضمن أمنه معتمدا على نفسه، وذلك هو الدرس الذي تعلمناه من الكوارث التي تحيط بنا من كل جانب!