حقيقة عدالة المشروع المُعدّل لقانون التّقاعد المدنيّ لسنة 2018
سيف زياد الجنيدي
04-07-2018 05:49 PM
يُعدّ قانون التقاعد المدنيّ رقم (34) لسنة 1959 من أكثر التّشريعات الأردنيّة المُحفّزة للتّأمل والمُطالعة، فبين جنباته تكمن آمال المُواطنين الكادحين الأوائل ذوي الدّخل المحدود الباسقة تطلّعاتهم إلى مجرّد بلوغ نعيم الإستقرار المجزوء، ناهيك عن إعتباره سبيل الوصال لتحقيق المكاسب الماليّة لأصحاب الأحلام اللامحدودة.
مسيرتنا مع جدليّة هذا التّشريع في الأردن طويلة؛ نستذكر آخر محطاتها في منتصف شهر تشرين الثاني من عام 2012 عندما رفض مجلس الأمّة القانون المُؤقت رقم (10) لسنة 2010 المُعدّل لقانون التّقاعد المدنيّ، وما كان سيترتّب على هذا الرّفض لولا عدم موافقة جلالة الملك على إعلان بطلان القانون المؤقت هذا، التي أجهضت محاولة السّادة النّواب والأعيان منح أنفسهم رواتب تقاعديّة عن فترة خدمتهم البرلمانيّة أطالت أم قصرت، وقد لاقى القرار الملكيّ حينها ترحيباً شعبيّاً لتحقيقه المصلحة العامّة وتغليبها على المصالح الخاصّة.
أدرك دولة الرئيس عمر الرّزاز وحكومته خطورة المزايا الشخصيّة لهذا القانون من جهةٍ، وأثر تعديله على كسب تعاطف ورضا المُواطنين من جهةٍ أخرى، فتعهّد وعقد العزم منذ تشكيل الحكومة على إعادة النّظر في القواعد القانونيّة التي تمنح الوزراء رواتب تقاعديّةٍ بغض النّظر عن مدة إشغالهم للمنصب الوزرايّ لما يشكّله هذا من خروجٍ على قواعد العدالة والمُساواة بين المواطنين ممّن يشغلون الوظائف العامّة.
روّجت الحكومة لنفسها بعد إقرارها مشروع القانون المُعدّل في جلستها المُنعقدة في الثاني من تموز 2018 بأنّها أرست قواعد العدالة والمُساواة باشتراطها لاستحقاق الوزير حق التّقاعد بلوغ خدماته في الوزارات أو الدوائر الحكوميّة أو المؤسسات العامّة أو البلديات سبع سنوات خلافاً لما هو معمولٌ به في القانون الأصلي، إلّا أنّ المُتمّعن للنّصوص النّاظمة لهذا الشّأن يُقر بأنّ المشروع المُعدّل لم يأتِ بجديدٍ يُذكر في هذا الشّأن؛ حيث أنّ المادة (18/أ/1) بصيغتها الحالية قد إشترطت لاستحقاق الوزراء الرواتب التقاعديّة إكمالهم مدة سبع سنوات خدمة مقبولة للتّقاعد، بل إنّ المشروع المُعدّل لم يراعِ قواعد العدالة والمُساواة بتوظيفه مدد الخدمات السّابقة للسّادة الوزراء في الوزارت أو الدّوائر الحكوميّة أو المؤسسات العامّة أو البلديات لأغراض إستحقاق الرّاتب التقاعديّ الوزاريّ، فكأن لسان حال مشروع القانون المُعدّل يقول أنّ من أمضي يوماً في الوزارة لإتمام سبع سنوات من العمل العام في أيّ من المواقع سالفة الذّكر يستحق راتباً تقاعديّاً وزاريّاً.
ما كان ينبغي أن تتناوله الحكومة بموجب مشروع القانون المُعدّل وتروّج له كبيّنة على تبني العدالة وإحقاق الحق هو إلغاء الفقرة (أ/2) من المادة ذاتها، والتي تُجيز منح رئيس الوزراء والوزير العامل في مجلس الوزراء ورئيس الديوان الملكيّ ووزير البلاط راتباً تقاعديّاً عند إعتزاله الخدمة وبغض النّظر عن مدة خدمته، على إعتباره نصّاً يخرج عن مقتضيات العدالة والإنصاف، بل ويشكّل تعدّياً على مبدأ المساواة.
ما يُؤخذ به على الحكومة بعد إقرارها مشروع القانون المُعدّل هذا إستمرارها كسابقاتها في الإمتناع عن تبني نهج الإنفتاح والإيمان بالعمل المُشترك وخصوصاً في القضايا ذات الأثر الاقتصاديّ على المُواطنين، فكان أجدى بالحكومة أن توظّف الرؤية الملكيّة التنويريّة الواردة في كتاب التّكليف الساميّ وتبني النّهج التشاركيّ للعمل وإجراء حوارٍ وطنيّ شامل للتّوافق على قانون بهذا الأثر والأهمية البالغة، فما عادت الحكومات تستطيع العمل بمنأى عن الرّقابة الشعبيّة الواعية المُباشرة للمُواطنين.
وعودةً على البدء، فإنّ حقيقة عدالة المشروع المُعدّل لقانون التّقاعد المدنيّ لسنة 2018 تتطلب إعداد صيغة توافقيّة لمشروع القانون بالشّراكة مع الجهات كافةً على أن تُراعي بشكلٍ خاصٍ الفئات ذات الحاجة للحماية من نساءٍ وأطفال وذوي إعاقة وكبار سن، ومن ثمّ إقرار قواعد قانونيّة توحّد آلية إستحقاق الرّاتب التقاعديّ لموظفي القطاع العام بصرف النّظر عن مناصبهم الوظيفيّة إنسجاماً مع مبدأ المساواة الذي يعتبر عماد دولة الحق.
*الكاتب باحث قانونيّ، وطالب في المعهد العاليّ للدكتوراه في الحقوق والعلوم السياسيّة والإداريّة والإقتصاديّة/ الجامعة اللبنانيّة.