الشراكة الوطنية مع الحركة الإسلامية
د. محمد أبو رمان
10-05-2009 01:19 AM
لجأت الحركة الإسلامية إلى أحد رموز الاعتدال الإخواني العريقين، د. إسحاق الفرحان، في مواجهة الأزمة الداخلية التي ما تزال، منذ سنوات، تحكم "الديناميكية" التنظيمية والسياسية في عمل الجماعة، ويقع في صلبها سؤال الهوية السياسية.
اختيار الفرحان بمثابة نجاح لـ "الحل التوافقي" داخل الجماعة، وسيمنح حُقنةً مُهدِّئةً للخلافات، تمنح النخب القيادية في الجماعة وقتاً إضافياً جيِّداً للوقوف على أرضية مشتركة صلبة وراسخة لمواجهة استحقاقات أساسية وأسئلة من الطبيعي أن تطرح في "الداخل الإخواني" اليوم، كأي تنظيم حزبي وسياسي له حضوره ويمر بأوقات متغايرة وتتقلب به الظروف السياسية والاجتماعية المحيطة.
الحركة الإسلامية حققت هدفاً جميلاً بحق، عندما غلّبت صوت الحكمة والعقل في إدارة أزمتها، وطرحت أنموذجاً إيجابياً في التداول والتدوير بين النخب، وتغليب المصلحة الحزبية على الشخصية.
لا يمكن القول إنّ الخلافات الحالية داخل الحركة مجرد تباين تقليدي في وجهات النظر، فالأسئلة المطروحة ترتبط بقضايا جوهرية وبنيوية، ولعلّ أهمها سؤال تمثيل "المكاتب الإدارية" في الخليج، وهو ما تمّ ترحيله إلى مراحل لاحقة، ونأمل أن يُحلّ بطريقة جيّدة وعميقة، وأن تبقى الحركة الإسلامية عنواناً من عناوين التوازن الاجتماعي والسياسي وصمام أمان للأمن الوطني.
المشكلة ليست مرتبطة بشخصية زكي بني ارشيد، وفي ظنّي أنّه يمتلك عقلاً منفتحاً وخطاباً فكرياً متقدّماً على مستوى الحركة الإسلامية، تحديداً في مسألة الحريات والديمقراطية. إنّما جوهر الخلاف يكمن حول تصور الحركة لنفسها واستراتيجيتها السياسية والخطوط العامة التي تحكمها. أمّا مصطلح الحمائم والصقور فهو "مجازي" لدواعي التصنيف الداخلي بين "المطبخين" الرئيسين الحاليين في أروقة التنظيم.
الدلالة الأهم في اختيار الفرحان تتمثل بقوة "الجناح المعتدل" وحيويته وقدرته على الدفاع عن مشروعه، وهو ردّ صريح على الآراء التي تقلل منه وتحدّ من قدراته. فهذا الجناح بالرغم من "الضربات" التي تعرّض لها، ما يزال قائماً وحيوياً، بل وضرورياً على جبهتين رئيستين، الأولى الداخل الإخواني لوضع فرامل في وجه المتشددين المتهورين، والثانية في رسم طبيعة العلاقة مع الدولة ومساراتها وسياقاتها المطلوبة.
قوة الحركة الإسلامية وتوسّلُها الطريق السلمية الديمقراطية وتطورها ونضجها السياسي، يرتبط بصورة عضوية وسببية بالبيئة السياسية المحيطة، فمتى توافرت شروط إدماج الحركة ومنحها دوراً سياسياً كبيراً، فإنّ ذلك بمثابة شرط رئيس ووقود حيوي يساعد الخط الإصلاحي المعتدل.
في المقابل، كُلّما مورس التضييق على الحركة الإسلامية كان ذلك مدعاة لبروز التيار المتشدد داخلها، والأخطر أنه يمنح فرصة للتيار الإسلامي الراديكالي، الذي لا يؤمن بالنظام والدولة، ويعلن تكفير المؤسسات ليجد خطابه تربة خصبة ومناخاً مناسباً للنمو والانتعاش في أحشاء تعاني من الإحباط واليأس والحرمان الاقتصادي.
ما يشجِّع على التفاؤل، اليوم، أنّنا بدأنا نستمع لصوت رشيد متقدم في مؤسسات الدولة والقرار يتحفّظ على تصنيف الحركة الإسلامية باعتبارها "مصدر تهديد" داخلي، ويشكك بسياسات الإقصاء والحصار، بل ويدفع نحو بناء علاقة سليمة صحيّة مع "الإسلاميين المعتدلين"، باعتبارهم شريكاً وطنياً استرايجياً، لا يمكن تجاوزه وتجاهله، وهذه بحد ذاتها "قطيعة مهمة" مع لحظة تاريخية سادت فيها مقولات "فوبيا البديل الإسلامي" وفزاعة "الطموح السياسي" للإخوان، خلال السنوات الماضية.
بقي الترحيب بعودة الرمز المعتدل الحكيم د. إسحاق الفرحان إلى واجهة الحركة الإسلامية، بما يمتلكه الرجل من خبرة ونضج، وأتمنى له الشفاء الكامل من الوعكة الصحية الأخيرة، فهو مع إخوانه د. عبد اللطيف عربيات وحمزة منصور ليسوا "حرساً قديماً"، بل هم "حرس متجدد" وخط دفاع أول عن "النموذج الأردني" المتميز في العلاقة بين الدولة والإسلاميين.
m.aburumman@alghad.jo