صفقة القرن .. مع وقف التنفيذ
د. ماهر عربيات
03-07-2018 01:12 AM
احتل تعبير صفقة القرن حيزا واسعا في المؤسسات والوسائل الاعلامية كافة، من حيث الرصد والتفسير والتحليل، وكأن الشعوب العربية مفروض عليها الإذعان والخضوع على الدوام، لمفاهيم اسرائيلية غربية سواء في التفكير أو في التعاطي.
بعد الحروب الثلاثة التي اندلعت بين العرب وإسرائيل، وما نجم عنها من هلاك للبشر، وتشريد الملايين من الشعب الفلسطيني، كان يستوجب أن تكون صفقة القرن ذات دلالات خالية من الإعوجاج والغبن والتضليل، تعويضاً للعرب بصفة عامة، وللفلسطينيين على وجه الخصوص نظرا لما فقدوه أثناء وبعد الحروب.. لا أن تكون افراطا في التغاضي عن التاريخ والشعوب والإنسان والأرض والحضارة والحق.
ومع أن تعبير صفقة القرن، الذي انجلت معالمه قبل الإعلان عن مضمونه، يوحي بغنائم مثالية لا نظير لها، إلا أن تسريباته وعناوينه التي تذاع علينا بين الحين والآخر، وإن كانت غير رسمية، تفصح إن ظهرت إلى الوجود عن نكبة جديدة بحق فلسطين والقدس.
في مقال للكاتب البريطاني الشهير روبرت فيسك نشر مؤخرا في صحيفة الإندبندنت، حول المساعي الأميركية لإحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو ما يسمى صفقة القرن وآثارها المحتملة، يتساءل الكاتب ساخرا، إن كانت هناك إهانة اخرى لم توجه للفلسطينيين، بعد فشل اتفاق أوسلو وانهيار حل الدولتين؟
وأي درجة من الاحتلال يجب على الفلسطينيين أن يستمروا تحته، بعد السنوات الطويلة من الاستيطان الإسرائيلي للأراضي التي سُرقت من العرب وبعد اتفاقات متغيرة ومفاوضات متقطعة فُرضت عليهم؟ ويضيف روبرت فيسك ما الذي تبقى للفلسطينيين ليقبلوا به بعد عمليات القتل الجماعي في غزة، وقرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، المتعلق بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، والإعتراف بالمدينة عاصمة لإسرائيل؟
يتزايد اللغط وترتفع الشائعات في وسائل الاعلام المختلفة حول صفقة القرن.. والتفاصيل التي يجري تسريبها عن قصد تهدف الى اختبار اتجاهات ومواقف الأطراف، ليست هناك قوة على الأرض، في مقدورها إرغام وإكراه الشعب الفلسطيني على التخلي عن حقوقه في الوطن وفي السيادة على أراضيه، وليس بإمكان أي دولة عربية الانخراط في التفاوض نيابة عن شعب فلسطين، فقضية فلسطين ستبقى في قلوب الشعب الفلسطيني طالما ان تلك القلوب تنبض باسمها الخالد.
مواقف الأردن إزاء القضية الفلسطينية ثابتة لا تتغير، ويسعى الأردن دائما الى عدم إغفال التسوية السلمية، وتركها في مهب الريح، وهدر الوقت في الحديث عن صفقة مجهولة المعالم والمضمون.
والحقيقة أن القلق من أي مخطط دولي هو سمة من سمات النضج الفكري، شريطة عدم الشطط والمبالغة والاستسلام لهذا القلق دون التأكد من الحقائق، لا سيما أن سجل الموقف الأردني تحديدا وعلى مر التاريخ، يؤكد أنه لا يمكن أن يساند أو يؤازر أو يبارك أى جهود دولية، تتعارض مع مستوى الثوابت الأساسية التى تستند إليها السياسة الأردنية في اعتماد السلام خيارا استراتيجيا.
أي عاقل لا يراوده أدنى شك في أن حرص الأردن على الإتزان والحصافة والحكمة في التعاطي مع قضايا أمته وبخاصة القضية الفلسطينية، لا يمكن أن يتعارض مع ثوابت لها قيمتها واعتبارها السياسي والإنساني والثقافي والديني في أدبيات السياسة الأردنية، وفي الضمير الأردني، وعلى رأس هذه الثوابت عدم التفريط في حق الشعب الفلسطيني، وهو ما يحصن الموقف الأردني من أي حلول منقوصة أو أي تسويات لا قيمة لها.
الرأي