ملف الأقاليم .. هل المعارضة دائما على حق ؟
سامر حيدر المجالي
09-05-2009 03:25 AM
إلغاء مشروع الأقاليم ، في خطوة مفاجئة وذكية ، أثمر تهميشا وسحبا للبساط من تحت أقدام قوى المعارضة الموجودة على الساحة ، تلك القوى التي نسميها ( معارضة ) مجازا ، كونها – وهذه ليست المرة الأولى - لم تمارس دورها بمنهجية واضحة ، ولم ترتكز على أسس موضوعية في موقفها ، ساحبة الرأي العام بتخبطها هذا إلى إشكالية كبيرة وحالة من الريبة ، لم يُجدِ أمامها إلا قرار ملكي بإلغاء المشروع مع التمسك بالهدف الأساس الذي طُرحت من أجله الفكرة .
يميل الكثيرون مدفوعين بحاسة عمياء إلى تصديق الطرف الأضعف ، وتأييد النظريات التي تتحدث عن مؤامرات تحاك في الخفاء . فالقوة عندنا – تصورا وواقعا يؤيد التصور – شر وقهر . أما السياسة فهي الترجمة الحرفية لمفهوم القوة التي تستغرق في منظومتها كل شيء ... السلطة والدولة والإنسان ، لتغدو محض غلبة وجبر وأنانية , مبتعدة كل البعد عن فكرة الإجراء والتعاقد . هذا الوضع المشكل بكل حيثياته مقرونا بالأحداث الجسام التي تمر بها المنطقة والبؤس والإحباط مع كل يوم جديد ، يولد الميل الذي تحدثنا عنه ، مفضيا إلى حالة مستمرة من الريبة والتشكك ، هي الوتر الذي يلعب عليه كثيرون ، بحسن نية أو بغيرها ، من أجل تشكيل المواقف المعارضة . فيرتكزون على حالة نفسية ، بدلا من الارتكاز على أسس موضوعية موثوقة تجعل للمعارضة دورا إيجابيا ، يقود إلى التنمية والرخاء . من هنا فإن المعارضة عندنا تساهم في الإضلال والإحباط بذات الدرجة التي يساهم بها غيرها من الموجودين على الساحة .
نعود إلى موضوع الأقاليم ، فالكثير من المثقفين ، والسياسيين السابقين الذين تقلبوا في رؤاهم ، وغيرهم من الطامحين والفضوليين ، ساهموا في الحالة الضبابية التي أحاطت بفكرة الأقاليم ، فارتبطت معارضتهم بتكهنات واستنتاجات قائمة على التخوف من المصير المجهول الذي ينتظر منطقة حبلى بالمفاجئات والأحداث التي يكون الأردن عادة أول المتأثرين بها . وكان كافيا أن تنطلق شرارة واحدة من تكهناتهم كي تغدو في ذهن الجمهور حقيقة لا غبار عليها ، ومصيرا لا بد منه .
النتيجة المهمة الآن ، إذا سلمنا بأن القرار الملكي كان ضربة موجعة لشطحات المعارضين وخيالهم الواسع ، هي شكل العلاقة التي سوف تربط الشارع بالمعارضة من جهة ، وبالدولة من جهة أخرى . وذلك بعد فقدان الثقة بالأطروحات التي يلقيها المعارضون في حالة كالحالة السابقة . آخذين بعين الاعتبار ونحن نفكر في هذا أن استجابة الشارع الفورية لهذه الأطروحات ، هي نتيجة مباشرة لحالة الريبة وانقطاع الود وانعدام الثقة بما تطرحه الحكومات والجهات الرسمية . فهو سيغدو مبتور الصلة بالجهتين ، يتخبط ضائعا منتظرا في كل مرة قرارا ( علويا ) يخرجه من حيرته ويعيد إليه الثقة بما يجري حوله . أي ببساطة وبكل صراحة سيبقى الشارع مهمشا فاقد الثقة بنفسه ، عالة على غيره ، لا يستطيع أن يركن أبدا إلى قواه الذاتية في بناء مستقبله وتأييد قرار ما أو رفضه .
ولعل هذا يربطنا مباشرة بعلاقة الشارع بمجالسه التشريعية ( مجلس النواب بالذات ) ... هذه العلاقة هي قلب المشكلة ، حيث يبدو انعدام ثقة الشعب بمجلسه المنتخب ، والسيل الهائل من الانتقادات الموجهة إلى المجلس – كلا واحدا وأفرادا – السبب الرئيس الذي أعطى المعارضة غير الموضوعية هذه القدرة على النجاح والتأثير في عموم الناس ، وإنتاج رأي سائد لا يرتكز إلى شيء سوى الشائعات ، وأقاويل هذا وتكهنات ذاك .
لو كان مجلس النواب قويا بما فيه الكفاية ، ولو كان المواطن على ثقة بقدرة هذا المجلس على المحاسبة والتقييم ، وإيقاف ما لا يصب في مصلحة الوطن والمواطن ، لما اتخذت الشائعات إلى قلوب الناس سبيلا ، وما أثمرت تخبطا وضياعا ، والأهم من ذلك لما كانت المعارضة ميدانا مفتوحا لكل راغب أو طامح ، وما شكلت خيبة وفقدت مصداقيتها في كل مرة تتعرض فيها إلى اختبار حقيقي . فالذي يُخشى منه فعلا هو أن تنطبق على المعارضة والشعب قصة الراعي المازح الذي حذر الناس من الذئب كثيرا ، وكانوا في كل مرة يصدقونه ثم يكتشفون أنه يلهو بهم . فلما جاء الذئب حقيقة وحذرهم الراعي منه ، استهزأوا بأقواله ورموه بالحجارة ، ففتك الذئب بهم وكان ما لم تحمد عقباه .
على كل حال ، وهذا كلام يُقال من أجل الأمانة التاريخية ، ففي منطقة تعجُّ بـ ( قوى الحكم ) العمياء ، التي تحكم بأمرها ، وتدير مناطق نفوذها بأسلوب الكبت والتهميش ، تبدو ( قوة الحكم ) في الأردن قوة مستبصرة ، تناقش وتبرر ، وتقيم وزنا للرأي الآخر ، وهذا الوضع - لا شك – هو خطوة في طريق التنمية الحقيقية .