دور الاعلام في مواجهة الحملات المعادية والازمات
د. محمد كامل القرعان
02-07-2018 12:00 PM
في البدء يجب أن التأكيد على ضرورة التوازن بين الواقع الذي عليه المجتمع، وبين ما نصبوا إليه بعيداً عن التوهمية والطوباوية، إذ أن التحول السياسي الذي ينقل المجتمع من حالة النظام الشمولي المنغلق إلى حالة النظام الديمقراطي المفتوح دون المرور بحالة الاستعداد النفسي والفكري قد يُحدث حالة من فقدان التوازن الاجتماعي، وهذا ما شهدناه مع بدايات التغيير، الأمر الذي يجعل الحاجة ماسّة إلى إعادة التوازن للمجتمع قبل كل شيء، بإشاعة الأمن والانضباط من ثم البدء بعملية تعميق الوعي السياسي .
ان الامر يتطلب انبثاق الأطر السياسية الفاعلة التي تشكّل النظام السياسي بكافة مستوياتها انطلاقاً من أطر فكرية وأيديولوجية وطنية تهدف بشكل حقيقي بالفعل والقول لبناء نظام ديمقراطي سليم بعيداً عن المصالح الضيقة والأهداف الآنية، الأمر الذي يعزز ثقة المواطن بتلك القوى، وبالتالي تسّهل عملية التأثير الإيجابي بينها وبين المواطن.
كما ان عملية التدرج في توعية أفراد المجتمع، وتعريفهم بحقوقهم، وواجباتهم وترسيخ مفهوم المواطنة بشكلها الحقيقي بعيداً عن التعصب المذهبي، أو القبلي أو القومي، وبعيداً عن ربط المواطنة بأشخاص أو أحزاب وجعلها وفق المفهوم الحقيقي المتمثل بالالتصاق بالوطن تاريخاً وأرضاً وشعباً وقيما وتنظيم علاقة المواطن بالدولة من خلال إيجاد قوانين عادلة تحقق المصلحة المشتركة للدولة والفرد.
جميعنا يتجه نحو تعميق مبدأ الحوار في حل الخلافات السياسية بعيداً عن التطرف، كون أن التطرف هو من سمات المجتمع البدائي، وهذا من صُلب واجب القوى السياسية المتواجدة على الساحة، والتي يجب أن تعطي أنموذجاً صالحاً للأفراد، وهنا نستذكر قولاً للإمام الشافعي (رأينا صحيح قابل للخطأ، ورأي غيرنا خطأ قابل للصواب).
ومن المهم بمكان إشاعة الثقافة والذوق العام وإبراز مفهوم الجمال بكل جوانبه الروحية والأخلاقية والمظهرية في المجتمع، ويكون ذلك بواسطة المؤسسات الاعلامية الرسمية وغير الرسمية لا سيما المؤسسات التعليمية منها، بدءاً من المراحل الدراسية الأولى صعوداً وانتهاء بالجامعة، وذلك من أجل بناء جيل يمتلك الثقافة والوعي ليسهم في تعميق التجربة الديمقراطية حتى تصبح مع مرور الزمن تجربة ناضجة تحاكي التجارب الديمقراطية العريقة..
إن الدولة الديمقراطية، وهي دولة مؤسسات تتطلب قبل كل شيء الاستقرار السياسي، وهذا يتحقق عبر تعميق الوعي السياسي لدى أفراد المجتمع وشعورهم بأن مؤسسات الدولة هي المعبّرة عن إراداتهم ورغباتهم، وتستوعب نشاطاتهم وأنهم جزء منها. وكلما كان الوعي السياسي حاضراً ومتأصلاً، أو متجذراً لدى أغلبية أفراد المجتمع، نرى أن القوة السياسية الفاعلة تجد نفسها مضطرة لإتباع مناهج عقلانية في مشاريعها السياسية، وذلك في محاولة لإقناع الأفراد بتلك المشاريع، وبالتالي يكون من الصعب بمكان
لذا فان الوعي السياسي سواءً أكان عملية شعورية، أم غير شعورية فهو "معرفة المواطن بحقوقه السياسية، وواجباته، وبما يجري حوله من أحداث ووقائع، وقدرة هذا المواطن على التصور الكلي للواقع المحيط به، بالإضافة إلى تجاوز هذا المواطن للخبرات الجماعية التي ينتمي إليها" .
إن الوعي السياسي هو التربة الخصبة للمشاركة السياسية، وتُعرّف المشاركة السياسية التي يمارسها الفرد في الأردن بأنها: "مساهمة الأفراد المباشرة، أو غير المباشرة في عملية اتخاذ القرارات في إطار النظام السياسي الأردني".
وتشكّل وسائل الإعلام مصدراً مهماً من مصادر التنشئة السياسية للفرد، ويكون التأثير كبيراً، ولكنه غير مباشر حيث يكون من خلال عوامل وسيطة أخرى؛ كالأحزاب والنقابات، والجماعات الصغيرة المحيطة بالفرد، وقادة الرأي وغيرهم.
للاعلام دور لا يستهان به في عملية التنشئة السياسية لتأثيره التراكمي واكتساب الثقافة والمعلومات، وبناء المواقف والوعي السياسي، فتوفير المعلومات المجتمعية والسياسية من وسائل الإعلام للفرد تُعدّ هدفاً ضرورياً لكي يعي الفرد ما يدور حوله، وزيادة وعيه للتعرف على مجتمعه وقضاياه ومشكلاته وضرورة تنمية وعيهم بحقيقة الصراعات السياسية، والأيدلوجيات العالمية والإقليمية.
إن الدور الاعلامي يناط بأهمية هذا الدور في صناعة القرارات والنتائج المترتبة عليها، والتي تكون ذات صلة مباشرة به، كل هذا وغيره يدفع بهم لأن يهتموا بهذا الجانب، وأن يقوموا بتنميته عن طريق المعرفة والإدراك السياسي والتنبه، والفهم للنفس والعالم الخارجي، والانتماء السياسي لهذا البلد.
إن تعمق الوعي السياسي لدى أفراد المجتمع هو أحد عوامل الاستقرار الاجتماعي والسياسي الذي سينعكس حتماً على تطور العمراني والسياسي والبناء الاجتماعي والثقافي .